فور انتهاء مؤتمر بليد المعلك كتبت على تويتر: هذا النظام سلط الله عليه نفسه، كلما تكلم أحدهم زاد فضائحهم أكثر.
وتذكرت اليوم، بعد أن فضحت الفضائيات مصدر أفلام العصابات المسلحة، مقالة كتبتها قبل أكثر من خمس سنوات عن قلة التوفيق التي يتمتع بها نظام الكذب في دمشق، أضعها اليوم هنا للتدليل على أن صفة عدم التوفيق صفة مستمرة من البنية الأساسية للنظام:
تقول
جدتي حفظها الله: قلة التوفيق ما لها دواء.
تذكرت
هذه الحكمة وأنا أقرأ التصريحات (البريئة) التي أدلى بها العميد رستم غزالة لصحيفة
الرأي العام الكويتية.
بعيداً
عن الأجواء المسرحية التي حفلت بها المقابلة، مثل: (يتوقف رستم غزالة بين حين وآخر
عن الكلام، ثم يقول: "يشهد الله أني بريء، وكل ما نطلبه هو أن تكون المحكمة
عادلة وأن يكون القضاء الدولي نزيهاً وأن تكون اللجنة مستقلة، ونحن واثقون أن
سورية لا علاقة لها بالأمر، وأما إذا أرادت السياسة الدولية غير ذلك فهذا أمر آخر".)
وبعيداً
عن استهجان سيادة العميد وتساؤله – وهو المسؤول عن الاستخبارات العسكرية في لبنان،
والذي يفترض به أن يعرف تحركات كل القوى المعادية لقضيته القومية - عمن سجل
اتصالاته مع كبار السياسيين اللبنانيين، والتي كان عبرها يدير شؤون (القطر الشقيق)
لدرجة أنه يمون على الرئيس لحود بإيقاف الحملات المتبادلة مع الشهيد الحريري، كما
أشار في لقائه: (سيبادر اذا "للاتصال بلحود لاقرار هذه الهدنة خصوصاً بعدما
كان قد طفح الكيل".)
بعيداً
عن هذه التفاصيل (الصغيرة)، كان أكثر ما لفت انتباهي هو حديث العميد غزالة عن
لقائه بوليد جنبلاط عشية التمديد للرئيس لحود، هذا اللقاء الذي انتهى بإلغاء موعد
جنبلاط مع الرئيس السوري، بعدما تبين لغزالة أن جنبلاط ينوي أن يسمع الرئيس السوري
كلمة (لا) التي لم يسمعها طول حياته، يقول غزالة عن لقائه بجنبلاط: (حينها شرحت له
أسباب حرصنا على التمديد، بدءاً بمشروع الهيمنة على المنطقة وصولاً الى الخطر
الأميركي الاسرائيلي، فبادرني باتهامنا بأننا نعمل مع أميركا وننسق أمر التمديد
معها، فقلت له: يا ريت، ورجوته أن يتفهم موقفنا، لا بل عرضت عليه أن يبقى هو
ونوابه معارضين شرط أن يقول انه يترك لهم حرية الاختيار فرفض، ثم قلت له ان الشروط
التي كان أرسلها لنا عبر وئام وهاب (وزير في حكومة عمر كرامي الأخيرة) نقبلها، وهي
تعيين 2000 دركي، والحصول على 300 مليون دولار لصندوق المهجرين، ووزير للداخلية،
فكرر رفضه).
العميد
رستم غزالة يتحدث بأسى بالغ، ويشكو للصحفي – اللبناني للمفارقة المضحكة – كيف أن
وليد بيك ناكر للجميل، وشخص لا ينفع معه المعروف!!
ما
الذي يريده وليد بيك أكثر من تحقيق مطالبه؟ أليس الجميع يبحثون عن مصالحهم؟
ضابط
برتبة (عميد) من دولة شقيقة، يفترض أن مهمته المساعدة في حفظ الأمن وإحباط محاولات
العدو الصهيوني للتسلل من البلد الشقيق، هذا الضابط يعرض رشوة سياسية ومالية على
أحد الزعماء السياسيين ليقبل بإجراء تعديل دستوري (أصبح الأمر سهلاً بعد أن جربناه
في سورية ليصبح لدينا دستور قص ولزق كما لدينا ورق قص ولزق) ليبقى الرئيس مكانه
رغم أنف الدستور، لا لشيء سوى لأن الرئيس الآخر – الرئيس الفعلي لكلا البلدين – لا
يقبل أن تنكسر كلمته، ولا أن يقال له (لا)، ولو اضطر لتكسير لبنان على رؤوس أهله.
يمكننا
طبعاً أن نتخيل مدى خيبة الأمل التي أحس بها العميد رستم غزالة لسماع (لا) من وليد
جنبلاط. لقد بذل له كل شيء، تعيين 2000 دركي ممن لا تنطبق عليهم شروط التعيين
(وإلا لما احتاج وليد بيك لمثل هذه الخدمة)، والحصول على 300 مليون دولار لصندوق
المهجرين – الذي يشرف عليه وليد بيك – مما يعني أنه يستطيع اللعب بميزانية الدولة،
وأخيراً، تعيين وزير داخلية يرضى عنه وليد بيك.
طبعاً
لم يتحدث سيادة العميد عن الثمن الذي كان عليه أن يدفعه لترضية أطراف أخرى لتقبل
بهذا الحل لو وافق عليه وليد جنبلاط. أما وأنه لم يوافق، فلا داعي إذاً لزيارة
دمشق، فدمشق لم تسمع إلا (نعم) منذ أربعين عاماً، بعض هذه الـ (نعم) تكتب بالدماء.
نعود
إلى جدتي.. ما الذي ذكرني بحكمتها؟
في
ما يصر السياسيون السوريون على أنهم لم يكونوا يتدخلون في الشؤون الداخلية
اللبنانية، وأنهم اكتفوا بدور الوسيط بين الأطراف اللبنانية لمنع الاقتتال الأهلي
(الذي يراهنون عليه الآن)، لدرجة أن وزير الخارجية السابق (الذي كان أداؤه مميزاً
في إدارة الأزمة مع لبنان لدرجة ترقيته لمنصب نائب الرئيس) رد على وساطة وزير
الخارجية الأسباني بأن التمديد للحود (شأن لبناني داخلي) حسب رواية عبد الحليم
خدام.
وسط
هذا الإصرار، يخرج علينا المتهم الأول في اغتيال الشهيد رفيق الحريري مقسماً
الأيمان المغلظة بأنه بريء، ومتحدثاً في الوقت ذاته – بكل براءة – كيف كان يحاول
رشوة السياسيين اللبنانيين للقبول بالتمديد عبر استخدام صلاحياته في تسيير أمور من
صميم سيادة الدولة اللبنانية (الأمن والمال)، ضارباً عرض الحائط بكل تصريحات
رؤسائه السابقة عن عدم التدخل.
قلة
توفيق .. أليس كذلك؟
في
الأيام الأخيرة، أعتقد أن الشيء الوحيد الذي كان سيادة العميد غزالة موفقاً هو عدم
التواجد في مكتبه في لحظة معينة، وفقاً للخبر الذي سمعناه مؤخراً من دمشق عن أن
العميد غزالة حاول الانتحار، لكنهم لم يجدوه في مكتبه!
رابط المقال على شفاف الشرق الأوسط