كتبت في: 09/04/2011
منذ اندلاع التظاهرات المعارضة للنظام في الخامس عشر من آذار الماضي، بدأ النظام السوري في التعامل معها بطريقة حاول أن يجعلها مختلفة عن تعامل النظامين التونسي والمصري. وتلخص هذا التعامل بشكل رئيسي في القبض على الأشخاص البارزين في التظاهرات واستعمال العنف في تفريقها بواسطة أشخاص بثياب مدنية والادعاء بان هذا العنف ناتج عن مواطنين مؤيدين للرئيس وليس من أجهزة الأمن.
إلا أن تطور التظاهرات وحدوث المجزرة الأولى في درعا فرض على النظام التعامل بشكل مباشر، ورغم الإعلان الرسمي عن موقف النظام الذي يسمح بالتظاهر السلمي ويؤيد المطالب المحقة للشعب، سواء عن طريق المحللين السياسيين التابعين للنظام، أو عن طريق مستشارة الرئيس، لكن التعامل الفعلي كان يميل إلى استخدام القوة المفرطة في قمع التظاهرات، وهو ما تسبب في توسيع نطاق التظاهرات وانضمام مناطق وفئات شعبية أخرى إليها، خصوصاً في ظل الرسائل الخاطئة المباشرة أو غير المباشرة التي قام الأسد بتوجيهها للشعب السوري.
بداية الإشارات الخاطئة
كانت بداية الإشارات الخاطئة في وقت مبكر جداً عندما وقع الاختيار على اللواء رستم غزالة لزيارة درعا بعد سقوط أوائل الشهداء فيها. كانت الإشارة واضحة لأهالي درعا ولسوريا كلها أن النظام يعتبر ما جرى خطأً من أهل درعا وجرأة سيدفعون ثمنها غالياً، وأنه سيستمر في التعامل معهم بالقبضة الحديدة ذاتها التي ألقت بأطفالهم في السجن. من يشاهد تسجيل الفيديو لرستم غزالة وهو يتحدث إلى أهالي درعا لا يمكن أن يخطئ نبرة التهديد في كلامه، وهي ما استفز العشائر هناك وزاد من تأجيج الثورة.
الفرقة الرابعة
استخدام الفرقة الرابعة من الجيش السوري بقيادة ماهر الأسد المعروف بدمويته وإجرامه، والذي يتناقل السوريون تسجيلاً يظهره وهو يصور أشلاء ضحاياه العزل بينما يحتفل جنوده بإطلاق النار في الهواء في سجن صيدنايا عام ٢٠٠٨، هذا التدخل أكد أن النظام مصر على القبضة الحديدية وأن ما يشيعه المتحدثون عن النظام من وجود نوايا إصلاحية لدى الرئيس ما هو إلا خدعة ريثما تتم تصفية المعارضة الطارئة.
المؤامرة الخارجية
الحديث المتواصل عن وجود مؤامرة خارجية ساهم في تجييش السوريين لمساندة الثورة. كانت إشارة خاطئة في غاية الخطورة لأن الشعب السوري ربما يصبر على من يستضعفه ، خصوصاً بعد تجربة الثمانينات المريرة، لكن من الصعب جداً أن يسكت لمن يستغبيه خصوصاً من نظام ساهم في تأمين حدود الكيان الصهيوني وسكت عن تحليق الطائرات العدوة فوق قصر رئيسه وعن قصفها لمواقع عسكرية في عمق الأراضي السورية دون أن ينبس ببنت شفة، إضافة إلى تعاونه مع الأمريكان في تأمين حدود العراق، واستجواب من ترسلهم المخابرات الأمريكية للتعذيب في سورية، مما يجعل من الصعب على أي سوري، مهما بلغت ضحالة معلوماته السياسية، تصديق التآمر الخارجي على النظام.
بثينة شعبان
اختيار بثينة شعبان لتوجيه أول خطاب رسمي للشعب كان واحداً من أهم الإشارات الخاطئة، ليس لأنها سيدة –كما قال أحد المعترضين حين تحدث عن تقديم التعزية لأهل درعا في شهدائهم- بل لأنها لا تحمل صفة رسمية تنفيذية.
اختيار (مستشارة) الرئيس لتوجيه الخطاب الرسمي، كان إشارة إلى عدم اعتراف النظام بشرعية المطالب أو جديتها، واعتقاده أن إبر المخدر التي تفضلت السيدة شعبان بتوزيعها في مؤتمرها الصحفي ستكون كافية لتمييع الموقف، لكن حسابات الأسد لم تكن جيدة لهذه الناحية، فالسيدة بثينة شعبان سقطت مصداقيتها منذ زمن بعيد عن طريق المقالات التي كانت تتبرع بكتابتها لجريدة الشرق الأوسط وتهاجم فيها أمريكا بسبب انتهاكها لحقوق الإنسان، بينما تتعامى عن ما يجري من انتهاكات يومية ومنظمة لحقوق الإنسان السوري.
الخطاب الشاذ
كان حرص الرئيس الأسد على عدم تقليد بن علي ومبارك سبباً في توجهه لتقليد القذافي، مع الفارق في طريقة الكلام طبعاً، فهو لم يعلن إلغاء حالة الطوارئ كما أشاع أنصاره، بل أعلن الحرب على الشعب بقوله:
(المؤامرة كبيرة ونحن لا نسعى لمعارك.. والشعب السوري شعب مسالم وودود ولكننا لم نتردد يوما في الدفاع عن قضايانا ومصالحنا ومبادئنا.. وإذا فرضت علينا المعركة اليوم فأهلا وسهلا بها)
كان واضحاً أنه يعتبر الشعب خصمه، وهو يعرف أن الشعب السوري مسالم وودود ولن يبدأ بالعنف، لكن إذا استمر في التظاهرات التي تهدد مصالح الطغمة الحاكمة، ويلاحظ هنا أنه قدم المصالح على المبادئ، فهو لن يتردد في خوض المعركة، وهذا ما كان.
في الخطاب أيضاً أكد الرئيس أنه وحده السبب في تأخير الإصلاحات، وهو بالتالي يتحمل مسؤولية ما يجري اليوم، يتحمل مسؤولية الدماء التي تريقها أجهزة الأمن وتدعي أن وراءها عصابات مسلحة ومندسون، ويجب أن يحاسب هو أولاً عن هذه الدماء.
أخيراً، النكات السمجة والضحك المبتذل خلال الخطاب أعطت الناس الانطباع الحقيقي عن شعور الرئيس تجاه شعبه، أنهم مجموعة من الحشرات لا يهمه إن مات منهم فريق أو ماتوا جميعاً، المهم أن يتفرغ هو لقيادة العالم كما دعاه أحد منافقي مجلس الشعب.
تشكيل لجنة لدراسة حالة الطوارئ
بعد الخطاب المهزلة، أعلن عن تشكيل لجنة لدراسة رفع حالة الطوارئ، وفي هذا استغفال للشعب يصل إلى درجة الاستحمار، فالنظام يقول أنه يريد رأي القانونيين في رفع حالة الطوارئ التي أعلنت خلافاً للقانون (أعلنها المجلس العسكري لانقلاب 8 آذار بينما يفترض أن يعلنها مجلس الوزراء بأغلبية الثلثين وتعرض على المجلس النيابي لإقرارها) ومن صلاحيات مجلس الوزراء إلغاؤها، طبقاً للمادة العاشرة من المرسوم التشريعي الخاص بقانون الطوارئ.
رئيس الوزارة الجديدة
تحت الضغوط الشعبية، وعلى مضض، تخلى الرئيس عن قريب زوجته ناجي العطري وأقال الوزارة التي عاثت في الأرض فساداً، ومعروف أن العطري أحيل للتحقيق في قضايا فساد عندما كان رئيساً لبلدية حلب في أوائل ثمانينات القرن الماضي، أي عندما كان من أكبر العجائب أن يحال شخص للتحقيق في قضايا فساد، ما لم تكن كبيرة بالفعل.
المفاجأة كانت بتكليف الدكتور عادل سفر بتشكيل وزارة الجديدة، فوزير الزراعة السابق لا يحسب له من الإنجازات إلا تقلص نسبة الأراضي المزروعة في سورية خلال عهده الميمون، وبحسب موقع (كلنا شركاء في الوطن) فإن تكليف سفر يهدف إلى طمأنة (الرفاق) البعثيين أن الأمر لن يخرج من أيديهم، وأن الوجوه السابقة في الحكمة والمحسوبين عليها لن يحاسبوا.
باختصار، الرئيس يكرر دور نهاد قلعي في (ضيعة تشرين) فهو قرر تغيير فرق شعره من اليمين إلى اليسار، وهكذا تحقق التغيير الذي يطلبه الشعب.
محافظ درعا الجديد
تعيين المحافظ الجديد لدرعا كان إشارة خاطئة أخرى، فهو أولاً من خارج المحافظة، وبالتالي لا يحتمل أن يتعاطف مع أهلها، وسمعته أنه عسكري صارم ومتمرس، وأخيراً فهو قضى مدة طويلة من خدمته في درعا، كافية ليعرف كل شيء عن عوائلها وأهلها وكيف يعتقل المؤثرين منهم، وبماذا يهددهم، وهذا ما جرى فعلاً خلال الأيام القليلة الماضية.
الاستمرار في القمع
مع الوعود المخدرة التي يطلقها المقربون من النظام، والتركيز على المؤامرة الكبرى التي تحاك ضد سورية الصمود والتصدي والمقاومة، استم القمع والاعتقالات اليومية، والتعذيب والتنكيل بجثث الشهداء وسحلها في الشوارع، مما أعطى إشارة واضحة لا يشوبها الغموض إلى الشارع السوري أن النظام يكذب، وأنه سينكل بهم فور استقرار الأمور له، إشارة تعكس كل ما يحاول الوعد به ويسوقه للعالم.
استعداء العمق العربي
فقد الرئيس السوري فعلياً العمق العربي الداعم له منذ خطاب (أنصاف الرجال) الشهير عام 2006، واستغرق بعد هذه السقطة ما يقارب السنتين كي يرمم علاقته بالسعودية ويبدأ التنسيق معها حول لبنان، ويحظى ببعض الدعم من الملك عبد الله الذي كان يحرص على إيجاد إجماع عربي ويتجاوز موقفه الشخصي منحازاً إلى المصلحة القومية، ووصل الأمر إلى محاولة ترتيب مصالحة باءت بالفشل مع الرئيس المصري.
اليوم يعود الرئيس إلى استعداء العمق العربي، والسعودية تحديداً عبر الزج باسمها في مؤامرة سعودية – إسرائيلية تستهدف النظام حسب ما يورده الإعلام السوري غير الرسمي، والذي يحظى بالحماية والتوجيه الرسميين.
ولعل أكبر وأهم الإشارات الخاطئة التي يرسلها الرئيس السوري إلى العالم العربي رفع صورة الأمير بندر بن سلطان في التظاهرات المؤيدة لبشار الأسد واتهامه من قبل المتظاهرين (ألذين يصورهم التلفزيون السوري بفخر) بأنه وراء التظاهرات التي تجري حالياً.
هذه بعض الإشارات الخاطئة التي يرسلها الرئيس السوري، إشارات تصب عكس ما يريده من إخماد التظاهرات، لعل مبعثها أنه عاش لبعض الوقت في بريطانيا وتعلم القيادة من الجهة اليمنى، أي عكس السير في سورية.