ليست مقالة جديدة، ولكنها نقل عن صحيفة زمان الوصل الإلكترونية مع تقديم خالص الشكر لمحرريها.
أردت الاحتفاظ بهذه الشهادة على إجرام المقبور حافظ الأسد وخليفته المعتوه، لأتذكر دوماً أن ما نعانيه اليوم للخلاص هو ثمن بسيط لسكوتنا عنه آنذاك.
تحية تقدير للأستاذ مروان حجو الرفاعي على جهده لفضح هذا النظام المجرم.
المصدر: https://www.zamanalwsl.net/news/44143.html
أمضى 9 سنوات من طفولته في سجون الأسد: مروان حجو الرفاعي: كنت شاهداً على "قيامة" الأطفال في سجن تدمر!
روى الناشط السياسي وعضو "الائتلاف الوطني" المحامي مروان حجو الرفاعي تفاصيل أول عملية اعتقال تعرض لها في عهد "حافظ الأسد" في الرابع من كانون الأول عام 1980 ولم يكن قد تجاوز السادسة عشرة من عمره حينما اقتحم "زوّار الفجر" غرفة نومه واقتادوه من سريره إلى أقبيتهم المظلمة التي لم يكن لها عنوان سوى الموت والتعذيب، كان الرفاعي حينها –كما يقول- طالباً في المرحلة الإعدادية ولم يكن للاعتقال سبب سوى الضربة التأديبية والاستباقية التي قام بها ضابط المخابرات المنحور "غازي كنعان" في الثمانينات لأهل حمص بن الوليد، فاعتقل المئات من الأطفال والشباب رهائن يبتزّ بهم الآباء ويذيقهم مرّ العذاب والذل والهوان.
وأمضى الرفاعي في سجون النظام السوري تسع سنوات سبعاً منها في معتقل تدمر الجحيمي واثنتين في معتقل صيدنايا، في ظروف كان عنوانها المرض والجوع والتعذيب، وشهد في تدمر-كما يقول- أكثر من عشرة آلاف إعدام، لزهرة شباب سوريا ورجالات فكرها ومثقفيها ممن قضوا تحت التعذيب وعلى أعواد المشانق، وكان خروجه من المعتقلات عام 1989 بعد أن أورثته هذه التجربة القاسية مرضاً عضالاً لا زال يعاني من آثاره إلى الآن.
وبعد الإفراج عنه حصل "مروان حجو الرفاعي" على شهادة البكالوريا والتحق بالجامعة ليحصل بعدها على إجازة في الحقوق وينال لقب الإجازة في المحاماة عام 1997 وقام بالترافع أمام محكمة أمن الدولة وعمل في مجال حقوق الإنسان السورية ودافع عن المظلومين ضد القضاء الفاسد والمرتشين ولم ترقْ هذه النشاطات للنظام فتمت إحالة الرفاعي إلى المحكمة العسكرية عام 2003 ولكنه شُمل بالعفو، وعمل مع آخرين على الإصلاح والتغير في ظل حكم "القاصر المعتوه" بهدف إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين والكشف عن مصير المفقودين، ولكن عبثاً كانت محاولات المصلحين، فتمت ملاحقته من جديد واعتقال آخرين حتى تفجرت ثورة الحرية والكرامة السورية على أيدي أطفال سوريا الذين كان واحداً منهم ذات يوم ودفع فاتورة الحرية عنهم مبكراً.
وبعد هذه التجربة التي سماها (أسطورة من الألم) أنجز المحامي والناشط السياسي الرفاعي تقريراً حقوقياً حول انتهاكات حقوق الطفل في ظل حكم "حافظ الأسد" وحول هذا التقرير يقول الناشط الحقوقي مروان حجو الرفاعي لـ "زمان الوصل":
أقدمت السلطات السورية على ارتكاب جرائم خطيرة بحق الطفل والطفولة، في ظل قانون الطوارئ، من خلال الممارسات القمعية التي طالت الأطفال والكبار على حد سواء. فقد أقدمت سلطات الأمن والمخابرات خلال الفترة الممتدة من عام 1980 ولغاية 1983 على ممارسة الاعتقال التعسفي بحق الأطفال والقاصرين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و18 سنة، وتعريضهم لأقسى أصناف التعذيب والتنكيل والقتل، منتهكة بذلك كافة المواثيق الدولية والمعاهدات التي ضمنت حقوق الطفل والطفولة وبلغ عدد المعتقلين الأطفال السياسيين في سوريا في تلك الفترة ما يقارب (600) طفلاً وحدثاً. (والحدث حسب القانون السوري هو من لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره).
استئصال التوجه الديني في المجتمع السوري!
وحول أسباب اعتقال الأحداث في عهد حافظ الأسد يقول الرفاعي:
شملت حالات التوقيف مراكز المحافظات والمدن السورية، وذلك عندما قررت السلطات السورية استئصال التوجه الديني في المجتمع السوري، فأقدمت على اعتقال الأطفال من مرتادي المساجد الذين كانوا يحضرون للصلاة وحفظ القرآن وسميت تلك التهمة بـ"دروس قرآن"، كما أقدمت على اعتقال عدد من الأطفال رهائن عن إخوتهم أو آبائهم، ولم يكن يفرج عنهم حتى بعد تسليم الشخص نفسه أو اعتقاله، وسميت حالة التوقيف تلك بـ "الرهينة"، وكان يتم اعتقال الأطفال الأحداث من المدارس وأثناء الدوام الرسمي، حيث كانت تُحاصر المدرسة بالوحدات الخاصة، وتقوم الأجهزة الأمنية بمداهمة المدرسة، واقتياد الطلاب من حصص المدرسة، منتهكين بذلك الحرمات. وكانت القوات المحاصرة للمدرسة تلجأ إلى إطلاق النار من أجل إثارة الذعر في نفوس الأساتذة قبل الطلاب، ومن أجل تأمين عدم الممانعة أثناء الاعتقال.
كما كانت تتم عمليات اعتقال الأطفال الأحداث من منازل ذويهم بعد منتصف الليل، حيث كان يخرق سكون الليل وصمته صوت الآليات الأمنية التي تحاصر المنزل بأعداد لا تتناسب البتة مع اعتقال طفل أو حدث، وكثيراً ما كانت تُفاجَأ فرق المداهمة الأمنية من صغر الهدف، أي الحدث المراد اعتقاله.
زنزانات منفردة للأطفال!
وعن ممارسات التعذيب التي كان يتعرّض لها الأطفال في الفروع الأمنية يقول الناشط الحقوقي مروان حجوا لرفاعي: تعرّض الأطفال الأحداث في فروع المخابرات العسكرية وفروع أمن الدولة وسواها آنذاك إلى صنوف التعذيب المتمثلة بوضعهم بزنزانات منفردة، وبالتعذيب بصعقهم بالتيار الكهربائي في المواطن الحساسة من الجسد، وبالجلد بالسياط والكابلات الفولاذية على كافة أجسادهم، بالإضافة إلى استخدام الدولاب وبساط الريح المتعارف عليهما في التعذيب، وقد تعرّضوا كلهم للامتهان الجسدي أثناء التعذيب.
والجدير بالذكر أنه تمت تصفية بعض الأحداث تحت التعذيب في فروع المخابرات بسوريا، ومن أمثلة ذلك إقدام غازي كنعان -عندما كان رئيساً لفرع المخابرات العسكرية بحمص- على تصفية بعض الأحداث بعد اعتقالهم من مدينة حماة عام 1982، وذكرت التقارير بأنه كان يمارس التعذيب بنفسه. وتعتبر هذه من الجرائم ضد الإنسانية.
مظلة الموت !
ويضيف الرفاعي لم يستثنِ النظام الأطفال من الزج في سجن تدمر العسكري، حيث كان يتم نقل المعتقلين الأطفال والأحداث إلى سجن تدمر الصحراوي، و يتم استقبالهم بما يسمى حفلة الاستقبال المتمثلة بالتعذيب، وقد يستمر التعذيب من الصباح إلى المساء، حسب العدد الذي يتم نقله، وكان يشرف على التعذيب مدير السجن فيصل غانم في ذلك الوقت، وكانت الشرطة العسكرية هي التي تباشر التعذيب والأمن داخل السجن، وفق مهمات مسندة إليها، وكان معظمهم من الفئة المرتبطة بالنظام مباشرة، وكان التعذيب يتم بشكل منتظم.
وكان يفصل الأطفال الأحداث عن الكبار في مهاجع للأحداث وهي ذات أرقام 31/ 32 ثم 36/ 37/ في سجن تدمر هذه المهاجع التي كانت تكتظ بالمعتقلين الأطفال دون تأمين أي حد أدنى من حاجياتهم الحياتية أو حتى الغذائية، وقد تعرّض الأطفال والأحداث إلى أشد وأعنف أنواع التعذيب المبتكرة من قبل السجانين، دون انقطاع، خلال فترة توقيفهم في سجن تدمر، وكان يموت بعضهم تحت التعذيب، ومن الأشخاص الذين قضوا تحت التعذيب على سبيل المثال "محمد إدلبي من حلب" عام 1982 من خلال لعبة تم تنفيذها من قبل السجانين أثناء التفقد، فبعد أن ألقوه أرضاً على ظهره، وقف أربعة من السجانين على كل طرف من أطرافه، وقام آخر بالقفز على صدره وبطنه، فبدأ بالنزف من صدره ومعدته، حتى توفي بعد عدة ساعات.
ونفذت تلك اللعبة على عدد آخر من الأحداث، كما كانوا يقومون بالتعذيب بطريقة ما يسمى بـ (المظلة) فكانوا يمسكون الأحداث من أطرافهم الأربع، ثم يؤرجحونهم في الهواء، ثم يقذفون بهم على الأرض، لتتكسر بعض عظامهم، وقد كانت العملية تتكرر عدة مرات حتى يغيب الطفل أو الحدث عن الوعي.
ومن أساليب التعذيب بحق أطفال سجن تدمر –كما يقول الرفاعي- أسلوب التجويع المبرمج وقطع المياه عن الأحداث وهم في سن النمو، مما أسفر عن إصابتهم بأمراض خطيرة كالسل الذي عم السجن بكامله، والجرب الذي أسفر عنه إنتانات جلدية، وتقيّحات دموية في كافة أجسادهم، وحالت دون تمكينهم من التداوي، كما أصيب عدد آخر منهم بفقدان الذاكرة والجنون وبالصرع، وقد أسفر الوضع الصحي المتدهور عن وفاة عدد منهم بالمرض، منهم على سبيل الذكر مهند الوفائي من حمص بتاريخ 17 / 9 / 1983 في سجن تدمر العسكري، حيث أنه رغم إخطار إدارة السجن بضرورة نقل الحالات الخطيرة إلى المشفى للتداوي أو إجراء عمليات جراحية لم تكن تستجب لذلك. وممن توفي منهم بعد خروجه من السجن، بسبب المرض (نوبة صرع) عبد الناصر كسيبي عام 1998.
ويضيف حول المحاكمات التي كانت تجري للأطفال في سجن تدمر أن المحاكمات الميدانية للأطفال في سجن تدمر كانت تعقد برئاسة المقدم "سليمان الخطيب"، الذي ينحدر من منطقة الدريكيش قضاء طرطوس.
ومن يُساق للمحاكمة كان يتعرض لصنوف التعذيب كافة، قبل أن يمثل أمام المحكمة، فكانت تؤخَذ بصمة المعتقل على ضبط تم إعداده سابقاً والذي لايدري ماكتب فيه. وكان هذا النمط من المحاكمات يتعرض له المعتقلون الأحداث والكبار على حد سواء.
وكان يحكم على الأحداث بمدد تتراوح بين 6 سنوات و12 سنة، إلا أنه لم يكن يفرج عنهم عند انتهاء مدة الحكم، فقد بقي من كان حدثاً لمدد تجاوزت أحكامهم بكثير، وظل عدد منهم معتقلاً حتى تاريخ إعداد تقريري عام 2004.
وفي انتهاك خطير لكافة القوانين المحلية والأعراف الدولية، فقد كان رئيس المحكمة الميدانية سليمان الخطيب (خضر خليل) يحكم بالإعدام على الأحداث، وتعتبر هذه سابقة خطيرة على الصعيد الإنساني والعالمي، ومن الذين قضوا بمثل هذه الأحكام الجائرة بكل المقاييس (محمد عادل سخنية) الذي أعدم بتاريخ 29/ 1/ 1983 و(أحمد حلاج) الذي أعدم بتاريخ 6/ 7/ 1985.
وكثيراً ما كان "سليمان الخطيب" يأمر كاتبه بتكبير سن الحدث، في إشارة منه إلى أنه سيحكم عليه بالإعدام.
أما بالنسبة للزيارت فقد كانت ممنوعة على ذوي الاتجاه الديني، طول فترة الاعتقال وقد خرج عدد كبير منهم من المعتقل بعد فترة طويلة قضوها في السجن تجاوزت 15 سنة ولم يروا أحداً من أهليهم، مع أن أكثرهم قضى في السجن مثل عمره لدى الاعتقال أو ثلثيه على أقل تقدير.
وقلة من الأهل أولئك الذين تمكنوا من خلال الالتماسات ودفع المبالغ الطائلة والذهب، لزوجة مدير سجن تدمر المقدم فيصل غانم، ليتمكنوا من رؤية أولادهم، والذي أصبح فاحش الثراء من خلال هذه التجارة المحظورة قانوناً.