الأحد، 15 سبتمبر 2013

من وحي داعش


يكاد يكون هناك إجماع على أن الطرح المتطرف للقاعدة عموماً، ولتنظيم دولة العراق والشام الإسلامية (المعروفة بين النشطاء باسم داعش) خصوصاً، يساهم في تخويف الغرب من انتصار الثورة السورية، وبالتالي يطيل من عمر النظام ويساهم في بقائه بديلاً مقبولاً لدى الغرب، معروفاً بضعفه واستعداده لتسليم لباسه الداخلي ليحافظ على ... (العدة).
ليس جديداً هذا الاستنتاج العبقري، كما أنني لن أضيف جديداً حين أعيد المعلومات المتداولة عن قيام المخابرات العسكرية السورية بتجنيد عدد كبير من الشباب المتحمسين عن طريق المدعو أبا القعقاع (محمود جل آغاسي) وإرسالهم إلى العراق ليؤكدوا لصديقهم اللدود (أنكل سام) أنهم طرف مهم في استقرار المنطقة.
كان أحمد حسون يتولى جمع المال من تجار حلب لتمويل (القاعدة) التي يجندها أبو القعقاع في جامع الصاخور تحت بصر وسمع النظام، لكن عندما كشر الأمريكي عن أنيابه وأخبرهم أنه لن يحتمل المزيد من العبث، توقف حسون الذكي الذي يعمل بحيطة وحذر، وانكشف أبو القعقاع الذي انتهى دوره، فتمت تصفيته بالرصاص في وضح النهار بعد صلاة الجمعة على بعد دقائق من مقر المخابرات الجوية بحلب، في حادثة نادرة في سوريا الدولة الأمنية المنيعة.
كما أنه ليس جديداً أن كثيراً من قيادات القاعدة في سوريا حالياً كانوا معتقلين لدى النظام وتم إطلاقهم بعد اندلاع الثورة، رغم تعارض هذا مع منطق الأمور، في حين انطلق النظام يعتقل النشطاء ولا يفرق بين رجل وامرأة، شاب أم عجوز!
ما ذكرني بهذه الأمور الآن حادثة بسيطة جرت في حلب أواخر العام الماضي، كان المجلس الانتقالي لحلب يضع اللمسات الأخيرة على إطلاق أول مجلس منتخب لإدارة شؤون المحافظة، وبدأ الثوريون من أهل المدينة (الذين كانت لهم تحفظات على المجلس الانتقالي) يستعدون للدخول في الانتخابات، كما أبدى كثير من قادة الكتائب استعدادهم لدعم المجلس، وما كادت هذه الأخبار تظهر حتى فوجئنا ببيان صادر عن مجموعة من قادة الكتائب يؤكدون فيه إعلانهم دولة إسلامية في حلب! 
كان توقيت البيان غريباً جداً فقد تم قبل يوم واحد من اجتماع المجلس الانتقالي لمناقشة وإقرار خطة الانتخابات، وقد كان من بين الموقعين بعض أعضاء المجلس.
 وقتها أحسست أن كل اللقاءات والنقاشات كانت بلا جدوى، وأطلقت سيلاً من الشتائم لست فخوراً به على الإطلاق. أخبرت الشباب في المجلس أنني آسف لضياع وقتي معهم، وحزمت حقيبتي للسفر في اليوم التالي.
بعد إلحاح شباب المجلس حضرت الاجتماع لعرض الجزء الذي عملت عليه من خطة إنشاء المجلس المحلي، وضاع اليوم الأول من الاجتماع في تلاوم قادة الكتائب بسبب البيان الذي صدر، واتفقوا بعد مداولات طويلة على إصدار بيان آخر (يوضح) البيان الأول ويزيل مخاوف العالم، وهو ما حصل، لكن الاحتفاء بالتوضيح كان هزيلاً ولا يقارن بالإعلان/القنبلة.
طبعاً تبين أن الكتائب القريبة من منهج القاعدة هي التي أعدت للبيان وأحرجت القادة الآخرين ليشاركوا فيه!
ما كدنا نعود إلى حلب للبدء في شرح الخطة النهائية للثوار والحصول على ترشيحاتهم لأعضاء الهيئة العامة حتى فاجأنا الشباب في المجلس ببيان منشور على الفيسبوك باسم المجلس الانتقالي يمنع المرأة من قيادة السيارة في حلب المحررة استناداً إلى فتوى الشيخين ابن باز وابن عثيمين.
كان أمين السر إلى جانبي ونحن نقرأ البيان للمرة الأولى معاً، وفي اليوم التالي عرضناه على عضو المكتب الرئاسي، فسألنا عن مصدر البيان وأخبرناه أنه طبقاً للتوقيع يجب أن يكون هو أحد مصدري البيان لأنه موقع باسم الرئاسة!
ضحك مجيباً: لا أعرف عنه شيئاً. لكن ربما كانوا على حق.
وأمام ذهولنا استطرد ضاحكاً: قيادة السيارة في حلب هذه الأيام خطر على الرجال، فما بالكم بالنساء؟

من حاول إفشال انتخاب مجلس محلي يقوم بدور السلطة التي انهارت ويحل مشاكل الحياة اليومية؟ من حاول تخويف الناس بنسخة من الإسلام لا يعرفونها ولا يتقبلونها؟
صاحب المصلحة في ذلك هو صاحب المصلحة اليوم في ما يحدث، وعلى الداعشيين أن يفكروا ملياً إن كانوا حقاً يعملون لصالح الإسلام كما يقولون.