الثلاثاء، 26 يوليو 2011

حقائق عن سورية، وثورتها

بعد فترة قصيرة من انطلاق الثورة السورية في شهر آذار (مارس) المنصرم بدأنا نسمع مصطلحات جديدة، معلومات مختلفة، قصصاً وروايات وتحليلات، عن أشخاص ومجموعات، وراحت هذه المسميات والتحليلات تنتقل بين كل من يتناول الشأن السوري وكأنها أمور مسلمة ومتفق عليها.

اليوم، بعد أكثر من أربعة أشهر، وآلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين واللاجئين، نجد من الضروري أن نراجع هذه المعلومات والمسميات، في إطار معرفة موقعنا الحالي على خارطة الثورة، ومعرفة التهديدات والفرص التي أمام هذا الشعب البطل بكل المقاييس، خصوصاً في ضوء تواطؤ العالم كله ضد الشعب الأعزل، ووقوفه إلى جانب الجلاد إما بالدعم المباشر عسكرياً أو مالياً، أو بدعم غير مباشر كالتأخير في نزع الشرعية عنه وطرد سفرائه من الدول التي تدعي حرصها على حقوق الإنسان.

بالتأكيد أن الطبيعة المغلقة للدولة السورية التي عاشت تحت الكبت – بذريعة المقاومة – ما يقارب النصف قرن سوف تؤدي إلى فقر في المعلومات، وبالتالي تناقل المعلومات التي تتوفر أولاً على أنها صحيحة، وهو ما يترك مجالاً للنظام للقيام بألاعيبه عبر بث معلومات تساهم في تحسين موقفه، أو عبر إطلاق معلومات خاطئة يتم تكذيبها لاحقاً لإفقاد المعارضة – ومن يكتب عن الوضع السوري – المصداقية.

الفقرات التالية تضم بعض الحقائق التي تبينت لي من خلال المراقبة اللصيقة بالمشهد السوري، ومعرفتي بالكثير مما يجري على الأرض، ومتابعتي لمعظم ما يكتب عن سوريا وأزمتها الحالية.

الرئيس يحكم

هذه الحقيقة هي الأهم في الواقع السوري. النظام يحاول إيهام السوريين والمجتمع الدولي أن الرئيس السوري يريد الإصلاح وهو رئيس شاب بعقلية منفتحة، لكن الحرس القديم وأصحاب المصالح هم من يمنعونه من تحقيق الإصلاحات.

وقد نجحت الحملة المخططة من قبل خبراء العلاقات العامة في رسم هذه الصورة في اذهان الكثيرين داخل وخارج سورية، لكن الروايات المتناثرة حول ما يجري يومياً في سورية، وعلاقات الرئيس مع أركان السلطة تؤكد عدم صحة هذه الصورة، فوراء الوجه الطفولي والضحكة الدائمة والبدلة الأنيقة للطبيب الإنسان يقبع واحد من أكثر الأشخاص تسلطاً وأقلهم احتمالاً للرأي الآخر، وهو ما أكده حضور المؤتمر القطري لحزب البعث عام 2005 ، إضافة إلى رواية خدام عن ما حصل بين بشار ورفيق الحريري الذي تجرأ على معارضته.

ليس الشبيحة من يقمع التظاهرات

المصطلح الأكثر انتشاراً اليوم في جميع نشرات الأخبار، بل وحتى في أفلام الفيديو التي يصورها الناشطون في الداخل السوري، هو مصطلح الشبيحة. ولن أخوض هنا في معناه فقد سبقني الكثيرون بل وأصبح موجوداً على ويكيبيديا بهمة الشباب الناشطين.

الحقيقة التي يجب أن نعيها أن الشبيحة كانوا في الأصل مجموعة بسيطة من الحراس الشخصيين العاملين مع أفراد من آل الأسد وبعض المتنفذين الذين يتمتعون بعلاقة مع النظام، وهم موجودون فقط في الساحل السوري ويعملون على حماية سيارات التهريب.

أما الأفراد والجماعات الذين يرتدون الزي المدني أو الأسود أو الرياضي أو البنطال العسكري والقمصان المدنية فهؤلاء ليسوا شبيحة، هؤلاء ببساطة أفراد الأجهزة الأمنية المختلفة والذين تبلغ أعدادهم الآلاف.

كل من عاش لفترة في سورية يعلم جيداً أن موظفي المخابرات لا يرتدون الزي العسكري، بل ليس من الغريب أن ترى حارساً على باب أحد فروع الأمن يلبس صندلاً في قدمه وسروالاً رياضياً مع قميص لا تعرف لونه منن القذارة، ويحمل في يده الكلاشينكوف باعتباره بطاقة التعريف الأكثر أهمية.

علينا أن نواجه الحقيقة بصراحة، من يقمع المتظاهرين اليوم هم أفراد الأجهزة الأمنية، وآلاف المخبرين المجندين رسمياً من النظام، إضافة إلى عدد من المجرمين والمحكومين الذين عجل الرئيس السوري بإطلاقهم ليستخدمهم في قمع المتظاهرين كما استخدمهم سابقاً في الاعتداء على مسجوني ربيع دمشق داخل سجن صيدنايا.

الطائفية موجودة

نحاول جميعاً أن ندفن رأسنا في الرمال وندعي أن الطائفية ليست موجودة في سورية، وأن النظام يحاول اللعب على الوتر الطائفي ليضمن بقاءه على الكرسي.

حسناً، النظام يستغل الطائفية الموجودة فعلياً في تفكير السوريين، ويقوم بتضخيمها عبر افتعال حوادث تدفع أبناء الطوائف إلى المواجهة المباشرة ابتي يحاولون تجنبها حتى الآن.

لكن النظام لن يفلح في ذلك إلا لأن التفكير في الطائفية موجود فعلياً في عقول السوريين جميعاً، من قمة الهرم الذي يقرب أبناء طائفته ويحصر الثقة المتمثلة في المناصب العسكرية والأمنية المؤثرة فيهم، إلى العامل البسيط الذي يحاول الحديث باللهجة الساحلية رغم انتمائه إلى الشمال كي يحاول الحصول على شيء من الامتيازات.

التفكير الطائفي هو ما يجعل الغالبية من العلويين والمسيحيين متأخرين في اللحاق بركب الثورة رغم أنهم قد عانوا من ظلم النظام كما عانى بقية الشعب، والتفكير الطائفي هنا يعني خوفهم من غلبة (الطائفة السنية) على الحكم والأعمال الانتقامية والتضييق المتوقع على بقية الطوائف.

إنكار الحقيقة لن يجدينا، كما أن تضخيمها والعزف عليها يصب في مصلحة النظام، لكن علينا أن نواجه هذه المشكلة، وكما قال أكثر من مفكر سوري: الاعتراف بوجود المشكلة الطائفية ومسبباتها والعمل على خلق إطار عادل للتعايش بين الطوائف، والإعلان عن هذا الإطار من مرحلة مبكرة جداً.

المعارضة أكثر من واهية

هناك من يقول أن المعارضة السورية ضعيفة. الحقيقة أنها ليست ضعيفة فقط، بل تكاد تكون غير موجودة. طبعاً المعني بهذا الوصف هو المعارضة السياسية المنظمة التي يفترض أن تلعب دوراً بديلاً للنظام في حالة سقوطه، وتعمل على إقناع دول العالم التي لا زالت تدعم النظام بوجود برنامج سياسي واضح للانتقال بالبلاد إلى الديمقراطية والتعددية السياسية.

خلال سنوات القمع الماضية نجح النظام السوري في تهميش المعارضة ، خصوصاً بعد أحداث الثمانينات التي أدت إلى نفي جماعة الإخوان المسلمين – الفصيل المعارض الأكثر حضوراً آنذاك على المسرح السوري – وفي ما عدا بقية من الشيوعيين الذين كانوا يعانون من الاعتقالات المتكررة، لم تبق من معارضة منظمة داخل سورية وتحول الأمر إلى مواقف ومبادرات أقرب إلى الفردية، كان النظام يتعامل معها بقسوة شديدة لإقفال الباب أمام ظهور المعارضة المنظمة.

أما خارج سوريا، فلم تكن المعارضة أحسن حالاً بسبب التضييق عليها من الدول التي تستضيفها، إضافة إلى خطط النظام السوري المتكررة لتقسيمها، مما جعلها لا تشكل أي خطر على النظام حتى عند تحالفها تحت راية جبهة الخلاص بعد اغتيال الحريري.

ومن الملاحظ أيضاً أن أداء المعارضة السورية كان هزيلاً حتى بعد اندلاع الثورة السورية، وكانت مواقف المعارضين خارج سورية أقل تصلباً ولهجتهم أكثر ليونة من المعارضين داخل سورية، بل وحتى من الشارع السوري الذي كان السباق إلى الهتاف بشعار إسقاط النظام، فيما كان المعارضون على شاشات التلفزة يطالبون الرئيس بإثبات نواياه في الإصلاح.

الأكراد منقسمون ومنهم من يبحث عن دولة كردية

لا يمكن تناول الأزمة السورية بمعزل عن دور الأكراد في مجرياتها. فالواقع يشير إلى أن الأكراد، بفعل أزمتهم المستمرة مع النظام الشوفيني الشمولي، حافظوا على وجودهم في مجموعات منظمة، وحاولوا القيام بانتفاضات سابقة، لم تساندهم فيها بقية فئات الشعب السوري.

التغافل عن حقيقة أن الأكراد منقسمين على أنفسهم، وأنهم لا ينطلقون من منطلق موحد يحرص على وحدة التراب السوري هو سذاجة سياسية سندفع ثمنها غالياً. الجمعة الماضية المسماة جمعة (أحفاد خالد) أظهرت هذه الحقيقة بوضوح شديد، حيث بدأ الأكراد يكيلون التهم لبعضهم بأنهم نسوا أصولهم الكردية، وأنهم يعيشون في (كردستان الغربية).

هذا الانقسام الكردي –وعدم وضوح من سيطالب بالانفصال لاحقاً ومن يبقى ضمن الوحدة السورية- يؤدي إلى تشكك القوى الإقليمية وضغطها لمساندة النظام الذي يضمن لهم –حتى الآن- عدم ظهور دولة جديدة تثير مشكلات لأربع دول قائمة.

الأتراك مع مصالحهم فقط

منذ بداية الأزمة، ومع التصريحات البطولية التي أطلقها أردوغان، بدأ الرهان على تدخل تركي قوي لمساندة الشعب السوري، لكن كانت المواقف التركية على الأرض مخيبة للآمال لكل من راهن على تركيا.

مبعث خيبة الأمل هذه هو عدم فهم تركيبة السياسة التركية القائمة على الواقعية وحماية المصلحة التركية بالدرجة الأولى، وكل ما يتصوره مغفلو الشارع العربي عن المواقف المبدئية (سواء الإسلامية أو الإنسانية) للحكومة التركية هي أوهام مصدرها الخلط بين القناعات الشخصية لرئيس الوزراء –والتي قد تكون منسجمة مع هذه الصورة- وبين المصلحة القومية التركية التي يجب عليه أن يراعيها بغض النظر عن قناعاته الشخصية.

ليس سراً أن الحكومة التركية تخشى من انفلات الوضع الأمني في سوريا، في ضوء وجود قوي ومنتشر للأكراد على الحدود التركية، وعدم الوصول إلى تفاهم واضح مع القوى الكردية يضمن للأتراك حماية وضعهم الداخلي، وعدم انتقال الفوضى للداخل التركي عبر أكراد تركيا الذين لا يزالون يخوضون مواجهات مسلحة مع الحكومة.

بدون الوصول لهذا الموقف الواضح –وتقديم ضمانات موثوقة- من القوى الكردي سيبقى الموقف التركي مائعاً ومتذبذباً بين رئيس الوزراء ووزير الخارجية، ويكتفي برد الفعل الضعيف بدل أن يكون فاعلاً ومؤثراً كما كان في الثورة المصرية مثلاً.

الغرب يحمي إسرائيل

لم يعد سراً أن النظام السوري الحالي هو الأنسب لمصلحة الكيان الصهيوني والأكثر تفاهماً مع حكومة العدو على حماية حدودها الشمالية، وبالتالي فهناك حرص غربي على بقاء هذا النظام –ضعيفاً ليسهل الضغط عليه- للقيام بمهام الحراسة المجانية لإسرائيل.

ما يؤكد هذه الحقيقة أن الخارجية الأمريكية في معرض تهديدها للأسد تصرح بأنه: يجب أن يفهم الرئيس الاسد أنه ليس شخصاً لا يمكن الاستغناء عنه، ونعتقد أنه السبب في عدم الاستقرار في سورية وليس مفتاح استقرارها.

أي أنه كان سابقاً شخصاً لا يمكن الاستغناء عنه، رغم سجله المليء بالمعاداة العلنية للأمريكان سواء في العراق، أو لبنان أو عبر استضافة المنظمات الفلسطينية الأكثر راديكالية.

ومن الواضح أن هذه التصريحات إنما تأتي بغرض تهدئة الرأي العام العالمي والأمريكي بعدما ارتفعت أعداد الشهداء والمعتقلين إلى مستويات فاقت ما وصلت إليه في دول أخرى، دون أن تشهد ردود أفعال من المجتمع الدولي تصل إلى نصف ما وصلت إليه سابقاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق