الأربعاء، 20 يوليو 2011

معوقات التغيير في سورية-3- غياب ثقافة العمل الجماعي

هي من نفس المنظومة المكتوبة عام 2006 ولا زالت تنطبق اليوم على الواقع السوري، وأكبر دليل عليها: تشتت المعارضة الخارجية على مؤتمرات مختلفة في الوقت الذي يتفرغ فيه النظام لقتل الشعب الأعزل.

من المعوقات التي تؤخر حصول التغيير أو الدفع باتجاهه في سورية، غياب ثقافة العمل الجماعي المنظم، سواء على مستوى الأحزاب أم على مستوى المجتمع المدني – رغم أن كليهما مغيب حالياً – ولا تبدو سورية متميزة في هذا الغياب عن غيرها من الدول العربية، التي تعاني مجتمعاتها من غياب ثقافة العمل الجماعي، وبالتالي تسيطر فيها نوعيات من العمل الجماعي المرتكز على التبعية لا المشاركة.
غياب تاريخي
عدم وجود ثقافة العمل الجماعي ليس وليد اللحظة، ولا ناتجاً لممارسات حزب البعث في السلطة – وإن كان قد عزز هذا الغياب بمنع قيام مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية المستقلة – بل إن هذا الغياب تكرس عبر سنوات طويلة من سيطرة مفاهيم التبعية، وترك التفكير واتخاذ القرار للنخبة، وارتبطت الأعمال الجماعية دائماً بالتعصب للحزب أو الطائفة أو القومية (بحسب اختلاف نوع العمل الجماعي) بينما لم تقم الأحزاب التي تواجدت في سورية في مرحلة ما قبل البعث على تعزيز ثقافة العمل الجماعي كمبدأ قائم على المشاركة في القرار والأعباء والنتائج، والتركيز على دور الجماعة في إحداث التغيير على صعيد الوطن.
تبعية جماعية
وقد يرى بعض المتابعين عدم صحة هذا الغياب في مرحلة ما قبل البعث، وينسبونه إلى الجمود الذي أصاب الحياة الاجتماعية والسياسية السورية منذ وصول البعث إلى السلطة، إلا أن الاستشهادات التي قد تساق للتدليل على وجود العمل الجماعي تقع معظمها – إن لم نقل كلها – في خانة التبعية والتعصب كما أشرت سابقاً، وهو نوع من (الانسياق) لا يصلح أن يطلق عليه (العمل الجماعي).
ففي مجال العمل المنظم للأحزاب، نجد أن الأكثر نجاحاً على مستوى تكاتف المؤيدين وخدمتهم لقضية مركزية كانوا الإخوان المسلمون والشيوعيون، وكلا الفريقين ركز – كل حسب طريقته وبما يتفق مع أسلوبه في التربية - على تبعية الأعضاء لقائد (غالباً ما يكون مطلق السلطات) تبعية كاملة لا نقاش فيها ولا مشاركة في القرار.
وإن كانت هذه الطريقة نجحت إلى حد كبير في إنجاح هذين الحزبين في مرحلة ما قبل البعث، ووصلت بممثليهما إلى البرلمان، إلا أنها لم تنجح في زرع مفهوم المشاركة في (العمل) وهو المفهوم المطلوب للوصول إلى التغيير، وبالتالي، تشتتت القاعدة الجماهيرية لكلا الحزبين وعجزت عن تجميع قواها بعد اختفاء صف القادة الذين كانوا يتولون إصدار الأوامر للتابعين ولا نقول للمشاركين.
الخلاصة أن مفهوم العمل الجماعي في الفكر السياسي السوري تركز - في غالبه - على التبعية بلا تفكير دون أن ينمي أسس الحوار والمشاركة في اتخاذ القرار ومهارات الاتصال بين الأفراد وتنسيق الجهود وتوحيدها، وهي كلها ضرورات حيوية لقيام واستمرار أي عمل جماعي منظم.
المعارضة السورية والعمل الجماعي
لا تبدو الصورة مشرقة بالنسبة للمعارضة السورية حالياً، فعوضاً عن التركيز على بناء ثقافة العمل الجماعي – وهي مهمة تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين – تتجه المعارضة إلى تبني صيغة (السوبرمان) أي الاعتماد على أشخاص (خارقين) يتولون إقناع الجماهير (المفترضة) وقيادتها – كما في الأيام الخوالي – إلى مواجهة مع النظام الذي لا يبدو حتى الآن قلقاً من هذا الاحتمال لكون تأثير هذه المعارضة على الداخل السوري لا يزال ضعيفاً جداً كما أن الشخصيات التي يتم تلميعها للقيادة لا تحظى بالقبول التام من فئات الشعب.
ولا يعني ما سبق أن كل العاملين في المجال السياسي والاجتماعي أو ناشطي المجتمع المدني تغيب عنهم هذه الضرورة أو لا يعملون لتحقيقها، بل بالعكس، نجد أن هناك محاولات رائدة لتعزيز هذه الثقافة،وبالتحديد من الجيل الشاب الذي يعيش تجربة مميزة هذه الأيام، ويدرك بوعي سياسي نادر حجم التحديات الملقاة على عاتقه، ولذلك نجد أن جيل النشطاء الشباب برزوا سوية، ويتناوبون اليوم في المشاركة في المهام، كما يتناوبون في تلقي (الصفعات) من النظام بمقادير شبه متماثلة تعكس قدرتهم الواعدة على إنشاء تحرك جماعي يتجنب صيغة (القائد الخالد) ويؤسس لتشاركية منفتحة تحتاج إليها سورية أكثر من أي وقت مضى.

نشرت في السياسة الكويتية بتاريخ 08/12/2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق