الخميس، 21 يوليو 2011

المشهد السياسي في سورية: ألف دون كيشوت، وطاحونة واحدة خربة

في نفس سياق تحليل وضع المعارضة السورية اليوم، وتخلفها عن آمال الشارع بمراحل، أنقل هنا هذه المقالة المنشورة في (نشرة كلنا شركاء في الوطن) بتاريخ 13/12/2005 .. الأمر الوحيد المفرح في هذه المقالة هو الأمل الذي أوحى لي بسطورها الأخيرة وأراه يتحقق اليوم.

نشر موقع قناة العربية على الإنترنت في 6/12/2005 خبراً مفاده أن عدداً من أحزاب المعارضة السورية في الخارج يحضرون لمؤتمر يعقد مطلع العام القادم في بروكسل بدعم دولي.
وزف الخبر البشرى بأن المؤتمر سيحضره التحالف الديمقراطي السوري الذي يتألف من أحزاب عديدة وأنه سيبحث تشكيل برلمان سوري انتقالي وحكومة سورية مؤقتة.
مصدر الخبر كما يبدو من الصياغة معارض سوري مقيم في النمسا)، وهو متحمس جداً لأن المؤتمر سيدعو إلى اتخاذ خطوات (عملية) تتمثل في إطلاق فضائية وإذاعة وجمع أكثر من 500 شخص لتشكيل برلمان في المنفى.
طبعاً لم يشر الخبر من قريب أو بعيد إلى السبب الذي يجعل أقصى ما تتمناه هذه الأحزاب هو جمع خمسمائة شخص في مكان واحد، إذ أنها من نوع (حزب أبو مخطة الأعرج) كما يطلق عليها عمي أبو سعيد، وهي عادة ما تضم إضافة إلى رئيس الحزب عشرة أشخاص بينهم زوجته وأولاده وسائقه، وربما حارسه الخاص – لزوم الوجاهة النضالية – وهي تظهر وتختفي وتتغير حسب الحاجة، وفي النهاية، حسب ما تشير به أجهزة الاستخبارات التي تمولها.
في مقابل الإعلان أعلاه، نجد أن حزب البعث يحاول لملمة صفوفه وغربلة أسماء أعضائه ليعرف كم من الأعضاء الذين يقاربون المليونين (على الورق) لا يزالون أحياء ويؤمنون بفكره ولديهم الاستعداد للعمل في صفوفه مما يرسخ (حقه) الذي كفله له الدستور في قيادة ثمانية عشر مليوناً من السوريين الذين لم يختاروه، وفي نفس الوقت تعكف السلطة التنفيذية (والتشريعية كذلك فكلاهما واحد) على تفصيل وإصدار قانون للأحزاب يضمن أن لا تكون هناك أحزاب مؤثرة عدا الحزب الحاكم، ولذلك فلا بأس من تأخير القانون لسنوات إن استدعى الأمر.
بين هذا وذاك، وفي خضم انتظار المواطنين لما سيقرره مجلس الأمن في الخامس عشر من كانون الأول، وكرد على أحلام المواطنين وتطلعاتهم إلى يوم يمكنهم فيه أن (يختاروا) انتماءهم الفكري والسياسي، و(يختاروا) ممثليهم في مجلس الشعب، و(يختاروا) رئيسهم –ولو بين اثنين- دون أن تكون هذه الاختيارات (مدعومة) بفوهات البنادق الأمريكية المصوبة إلى رؤوس الشرفاء منهم، تأتي هذه المعارضة لتضعهم أمام خيارين أحلاهما مر:
إما أن نستمر في الرضوخ لديكتاتورية وتفرد حزب البعث بالحكم، وهو الذي لا يمثل أكثر من عشر الشعب السوري، ولو جرت انتخابات حرة ونزيهة لما صوت له حتى نصف منتسبيه الحاليين،
أو، أن نوافق على دكتاتورية جديدة يفرضها الدون كيشوتات الذين يحلمون بالوصول إلى كرسي الحكم، ويحاربون طواحين الهواء، مستندين إلى الدعم الأجنبي الذي يعدهم بجيوش (تسد عين الشمس) متى ما استطاعوا أن يفرضوا على شعبنا برلماناً وحكومة من تأليفهم، تماماً كما حصل مع جلبي العراق وأصحابه.
القراء ة الوحيدة التي يمكننا مطالعتها من خبر كهذا الذي أتحفتنا به العربية، هو أنه في ظل تغييب مؤسسات المجتمع المدني التي يمكن أن تساهم في تثقيف الناس وإعادتهم إلى الاهتمام بالشأن السياسي الذي غابوا عنه عقوداً طويلة، وبينما تصر السلطة على منع أحزاب المعارضة الوطنية من العمل داخل سورية، وتسعد بتصفيق المسيرات التي تحشدها دوائر الدولة والمدارس للتضامن مع الموقف الرسمي (كما كان يحدث في العراق) يبقى الشعب السوري معزولاً عن واقعه، وممنوعاً من التفاعل مع المشكلة التي يعيشها، بل وممنوعاً حتى من التضامن الحقيقي مع السلطة في وجه التهديد الخارجي.
لكن ما لا تدركه السلطة، وهي بتصرفاتها تصر على أن تمثل طاحونة الهواء الآيلة للسقوط، وما لا يدركه عشرات الدون كيشوتات الذين يحلمون بفرض أنفسهم على الشعب دون أن يجرؤوا حتى على الاقتراب من الطاحونة، أن التغيير الحقيقي سينبع من أبناء الشعب الصامتين حتى الآن، والذين ينفخون كل يوم نفخة أقوى على الطاحونة التي تآكلتهم عبر سنوات الديكتاتورية، ولن يكون اليوم الذين يزيلونها فيه بعيداً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق