اشتهر النظام السوري منذ أيام حافظ الأسد بأنه نظام الصمود والتصدي، الصمود في وجه أعداء الأمة والتصدي لمحاولات التغلغل الإمبريالي/الصهيوني إلى العقل العربي.
وقد استطاع النظام تسويق صورته هذه للكثير من الشعوب القريبة والبعيدة، وجنى من ورائها مكاسب كبيرة، تشبه ما تجنيه روسيا اليوم عبر الظهور بمظهر الشاة السوداء في القطيع الأوروبي، وتخالف الغرب في السياسات حتى الوصول إلى الثمن المناسب للتحول، ومن ثم تبدأ في مساندة ما كانت تهاجمه.
حافظ الأسد لعب هذه اللعبة طوال فترة حكمه بشكل ممتاز، كان ضد أمريكا علناً وينفذ طلبات الأمريكان على الأرض، كان مع منظمة التحرير الفلسطينية وأباد الفلسطينيين في تل الزعتر بعد أن دخل لبنان بناء على طلب أمريكا، ساند إيران في حربها مع العراق، وساند الخليجيين في مخاوفهم من إيران، أعلن أنه لن يقبل بإطلاق طلقة واحدة على العراق أثناء حرب الكويت وأرسل قواته لتشارك في قتل العراقيين على الأرض، طالب بحق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة على كامل التراب الفلسطيني، وسلم الجولان للصهاينة دون إطلاق رصاصة واحدة.
الأسد الولد لم يكن مثل والده، حاول ممارسة اللعبة نفسها لككنه افتقر إلى الدهاء والخبرة الكافية، وهكذا أثار غضب أوروبا ضده عندما وعد وفد الاتحاد الأوروبي بعدم التمديد للرئيس اللبناني السابق إميل لحود ثم عدل الدستور اللبناني ليضمن التمديد له، ووعد الملك السعودي بعدم إيذاء الحريري ثم جرت عملية الاغتيال تحت سمع وبصر القوات السورية التي كانت المتحكم الفعلي بكل شيء في لبنان، إن لم يكن بتخطيط وتوجيه من الأسد نفسه، وعد الأمريكان بالتعاون في موضوع العراق، وسلمهم المعتقلين الإسلاميين الذاهبين للجهاد هناك، وقام في الوقت ذاته بتمويل مجموعات منهم وإرسالها للعراق.
جميع السياسات المتناقضة التي انتهجها الأسد الولد كانت تنقلب عليه، وهكذا وجد نفسه في مأزق فعلي عند اندلاع الثورة ضده، في البداية كان مطمئناً إلى الحماية الصهيونية التي يسبغها عليه القادة الإسرائيليون لاطمئنانهم إلى سلوكه ومعرفتهم بمدى قابليته لتنفيذ طلباتهم، ثم عندما أحس أن الإسرائيليين ومن ورائهم أمريكا يمكن أن يتخلوا عنه لدى تصاعد الاحتجاجات، لجأ إلى التهديد عبر البوق الأكبر رامي مخلوف الذي أطلق تصريحه الشهير، وأكده الأسد بفتح الحدود مع فلسطين المحتلة للراغبين من الشباب المتحمس.
ولما ضاق الخناق عليه، أعطى التنازل الأخير في العلن لعله يحافظ على كرسيه، وهو أمر من الغريب أن يمر بالبساطة التي مر بها، حيث أعلن النظام السوري اعترافه بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 أي أنه وافق على أمر كان من المحرمات وفق أدبيات حزب البعث القومي الحاكم، والذي يرفض التنازل عن شبر واحد من أرض فلسطين.
ما الذي دفع النظام السوري لاتخاذ هذه الخطوة حالياً؟
هي خطوة يائسة تهدف إلى تذكير السادة الصهاينة أنه قابل للتنازل عن المزيد من القطع التي تستر عورته مقابل البقاء على الكرسي، تماماً مثل راقصة التعري التي تتفنن في خلع قطع الثياب لقاء البقاء مدة أطول على المسرح.
الأسد الولد تحول إلى راقصة تعري رخيصة، تخلع ما يستر جسمها لآخر قطعة دون مقابل من الجمهور، والثمن الوحيد هو البقاء على المسرح فترة أطول ينظر فيها الجمهور إلى سوأته وهو يبيع نفسه.
ما غاب عن بال الأسد هو أن الشعب السوري ينطلق من ذاته وليس بإيعاز أو توجيه من أمريكا أو غيرها، وبالتالي فلن يتقبل من أمريكا دعوات الحوار التي يطرحها سياسيوها كلما ارتفعت حصيلة الشهداء، وبالتأكيد فالشعب السوري ليس مهتماً براقص تعري فاشل مثل الأسد الولد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق