كلما تصاعدت وتيرة العنف والقتل ضد المتظاهرين السلميين في سورية، تتصاعد التوقعات بتحرك الأغلبية الصامتة في المدن الكبرى، خصوصاً أن هذه الأغلبية تعاني مما يعاني منه بقية أبناء الشعب السوري المبتلى بحكم قمعي منذ نصف قرن.
لكن هذه التوقعات لا تتحقق، وتبقى المظاهرات – مع أنها تتوسع أسبوعياً وبشكل مضطرد – دون التوقعات، ولا تتناسب مع حجم القمع والإجرام الذي تمارسه الأجهزة الأمنية، مما تسبب فعلاً في حدوث حالة من الحيرة لدى المتابعين المهتمين بما يحصل في سورية.
ومع وجود تفسيرات كثيرة – معظمها صحيح بنسب متفاوتة – تضم: الخوف المزمن من القمع، القلق من الدخول في حرب أهلية طائفية، الخوف من التدخل الأجنبي، تشابك المصالح مع النظام الفاسد، تصديق الروايات السخيفة لأجهزة إعلام النظام حول المؤامرة والمندسين، وغيرها، إلا أن العامل الرئيسي في التثبيط هو ما لاحظه الكثيرون عبر حوارات مع أصحاب وجهات النظر السلبية هو وجود قناعة لديهم أن الرئيس السوري يرغب فعلاً بالإصلاح، وهو يعطي الأوامر –كما يقول الناطقون باسمه- بعدم التعرض للمتظاهرين لكن بعض المتنفذين من النظام يعملون على التصعيد باستخدام القوة، وبالتالي فالرئيس الشاب الإصلاحي غير مسؤول عن ما يجري ويجب إعطاؤه الفرصة ليحقق مسيرة الإصلاح (بسرعة ولكن دون تسرع) كما قال، أي خلال العقود القادمة !
وباستخدام القاعدة الشعرية اللطيفة (الفضل ما شهدت به الأعداء) بعد عكسها لتصبح (النقص ما نقدت به الحلفاء) يمكننا التأكد من عدم دقة هذا الكلام عبر قراءة ما ورد في جريدة الأخبار اللبنانية التي كانت دائما في صف النظام السوري، حتى (اتسع الخرق على الراتق) كما يقال، واضطرت إلى تطعيم الأخبار السورية بشيء من المصداقية بعد أن أصبح الدفاع عن جرائم النظام مسألة في غاية الصعوبة.
في سياق تغطيتها لخبر اجتماع الرئيس اللبناني ميشال سليمان مع مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى (والسفير السابق في لبنان) جفري فيلتمان، ذكرت الأخبار في نهاية الخبر تعليقاً على تسليم الجنود السوريين الذين فروا إلى لبنان إبان مذبحة تلكلخ، وبعد تبرير سبب تسليم الجنود إلى سورية، ذكرت أن الرئيس اللبناني اتصل ببشار الأسد يوم الأربعاء 18/5 على جري عادته كل أسبوع لكن لم يستطع الوصول إليه، ثم عاد الأسد واتصل به يوم السبت 21/5 وشكره على تسليم الجنود الفارين إلى النظام السوري.
ما معنى هذا الكلام؟ هل له معنى آخر سوى أن الأسد مطلع على كافة تفاصيل الوضع، وأنه أخر إجابة هاتف سليمان ليتأكد أن الجنود تم استلامهم دون نقص، وبدون أن يترك أي دليل قد تصل إليه الصحافة العالمية الممنوعة من دخول سورية؟
هل يستطيع أي مدعٍ من الحياديين (الذين يساهمون بحياديتهم الواهية في قتل إخوتهم) أن يزعم أن الرئيس ليس على علم بما يجري؟ هل سيطلع علينا من يقول أن الأسد مضحوك عليه وهو يظن أن الجنود فروا إلى لبنان هرباً من المحاكمة بتهمة التهريب مثلاً؟
في بداية خبر الأخبار نقطة مهمة وردت في محضر اجتماع الرئيس اللبناني مع الضيف الأمريكي الذي يتهمه النظام السوري بأنه مهندس عملية إسقاط النظام، حيث أبدى سليمان تخوفه من سقوط نظام الأسد وانعكاسات ذلك على الوضع اللبناني، فأكد فيلتمان أن (إدارته تريد رؤية إصلاحات حقيقية في سوريا، إلا أنها تريد من الرئيس السوري الحالي أن يتولى هو إجراءها، موحياً بذلك بعدم ممانعة واشنطن بقاء الأسد في الحكم، لكن في ظلّ نظام سياسي تشمله إصلاحات أساسية. أكمل فيلتمان إيحاءه هذا بالتلميح للرئيس اللبناني، بأن الإدارة الأميركية تحبّذ الإصلاحات عبر الأسد لا أن تجري بطريقة ثانية).
وهذا يتقاطع مع التصريحات الأمريكية على لسان وزيرة الخارجية والرئيس الأمريكي التي تشير كلها إلى رغبة أمريكا في الإبقاء على نظام الأسد، مع إصلاحات في الحدود الدنيا تضمن غضبة الكرامة لدى الشعب السوري، وتحافظ على الحليف السري الأكثر ولاء للعدو الصهيوني طيلة الأعوام الأربعين الماضية.
خلاصة القول: الأخبار –وهي الجريدة الأكثر ولاء لسورية في لبنان طوال سنوات- تؤكد أن الرئيس على علم بكل ما يجري في بلده من مذابح، وتؤكد أن أمريكا تؤيد بقاءه في الحكم عكس كل دعاوى المؤامرات والصمود والتصدي والعلاك المصدي.
ويبقى للشعب السوري البطل أن يعتمد على نفسه فقط، كما هو الحال منذ بداية الانتفاضة، كي يزيل هذا الكابوس الذي يجثم على أنفاس وطنه منذ نصف قرن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق