الخميس، 8 نوفمبر 2012

من تجارب الثورة: التخطيط الذكي

عقليات مبدعة

في استراحة بين ورشتي عمل حدثني أحد الإخوة الناشطين في حلب عن مدير فرن حكومي في ريف حلب كان يتوقع منذ بدايات الثورة بمعرفته الوثيقة بمدى إجرام النظام أن يلجأ الأسد وعبيده إلى تجويع الناس، وهذا ما فعلوه عبر قطع إمدادت الطحين والديزل اللازمة لتشغيل الأفران، واستهداف الأفران بالقصف وقتل البسطاء الذين ينتظرون دورهم للحصول على الخبز الذي قد يكون غذاء أسرهم الوحيد في ظل انعدام مصادر الدخل.
ما لفت انتباه صاحبي أنه في الوقت الذي عانت فيه معظم البلدات والقرى في الريف، والمناطق المحررة في مدينة حلب من أزمة في الخبز، كان هذا الفرن يوفر ما يكفي لسد حاجة بلدته، ويرسل مساعدات للقرى والبلدات القريبة.
سأله صاحبنا عن السر الذي يجعله قادراً على تشغيل فرنه وسط هذه الأزمة، فحصل منه على التفاصيل البسيطة، لكنها من نوع السهل الممتنع والتي تدل على الحس الإنساني والوطني الذي يتمتع به.
رأى الرجل من البداية أنه في موقعه سيفيد الناس أكثر من الالتحاق بالجيش الحر، وتوقع ما سيفعله النظام فبدأ بتخزين كل ما يستطيع الوصول إليه من طحين وديزل منذ بداية الثورة، بل وكان يحتال على التموين بما يستطيعه من حيل لزيادة الكميات التي يحصل عليها أيام الوفرة ويخزنها بعيداً عن الفرن، حتى تجمع عنده مخزون كبير تعامل معه بذكاء كي لا يتلف أو يتعرض للقصف، وبدأ باستخدامه عندما نفذ النظام سياسته القذرة.
في الأيام التي كان النظام يقصف بها المنطقة رفض إيقاف العمل في الفرن وتوعد من يتغيب من العمال بالفصل من عمله. كانوا يرجون منه التوقف كي لا يتعرض للموت، فيجيب بأن من كُتِب عليه الموت سيلحقه ولو على فراشه. 
تعرض فرنه للقصف عدة مرات فكان يرممه ويصلحه ويعيده للعمل. وقام بإعداد كوبونات يبيعها لأهل البلدة بعيداً عن الفرن ويرسل من يوزع لهم حصصهم الكافية ليومهم حسب عدد أفراد الأسرة دون الحاجة إلى تواجدهم أمام الفرن لحمايتهم من القصف. 
ولازال حتى اليوم يوفر الخبز لأهل بلدته ثم يلتفت لتحضير كميات إضافية يرسلها للمناطق التي تضررت أفرانها أو نفد مخزونها من المواد الأساسية.

ساق صاحبي هذه القصة للتدليل على قدرة أبناء سوريا على التعامل مع المشكلات بحلول مبتكرة متى توفرت النية الصادقة والثقة، وهو ما نحتاج إليه اليوم من الكيانات المختلفة العاملة على الأرض السورية: أن تتيح للمخلصين الابتكار والعمل لخدمة بلدهم بعد أن جعلهم النظام يعيشون خدماً في أرضهم طوال سنين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق