السبت، 11 فبراير 2012

بابا عمرو .. حكاية شجاعة عبر التاريخ

يحاصرها الطاغية من أشهر، يقطع عنها المؤن، يعتقل رجالها، يعذبهم، يقتل منهم، ثم يقتل مشيعيهم.
لما تأكد أنها لا تلين، يقصفها بالمدفعية، بالهاون، بالصواريخ، فتثبت، وترتسم الابتسامة الساخرة على شفاه ساكنها المنسوبة إليه، عمرو بن معديكرب الزبيدي، الفارس الشجاع المغوار.. يبتسم، وينفض كتفيه لتتساقط القذائف والركام عنها وتعود للنهوض من جديد، كطائر الفينيق الذي سكن ساحل الشام قديماً.




يروي الطبري في تاريخه كيف أرسل عمر بن الخطاب رجلين فقط لمساعدة سعد بن أبي وقاص في معركة القادسية، طلب سعد مدداً من الخليفة، فأرسل له عمرواً وطليحة بن خويلد، وقال له: أمددتك بألفي رجل !!
 فماذا فعل عمرو؟
يقول الطبري: وعندما بدأ القتال ألقى عمرو بنفسه بين صفوف الأعداء يضرب فيهم يمينًا ويسارًا، فلما رآه المسلمون؛ هجموا خلفه يحصدون رؤوس الفرس حصدًا، وأثناء القتال وقف عمرو وسط الجند يشجعهم على القتال قائلاً: يا معشر المهاجرين كونوا أسودًا أشدَّاء، فإن الفارس إذا ألقى رمحه يئس. فلما رآه أحد قواد الفرس يشجع أصحابه رماه بنبل، فأصابت قوسه ولم تصبه، فهجم عليه عمرو فطعنه، ثم أخذه بين صفوف المسلمين، واحتز رأسه، وقال للمسلمين: اصنعوا هكذا. وظل يقاتل حتى أتمَّ الله النصر للمسلمين.


 واليوم، هؤلاء جيرانه وأحباؤه وقاطنو الحي المنسوب إليه يرددون كلماته المشجعة، فيقفون في وجه الطاغية الجبان أسوداً أشداء، لا يتزحزحون، يردون على القصف بالتكبير، يشيعون شهداءهم بالتكبير، وينتظرون مدداً 
من خليفة مات، ولم يخلفه فينا رجل.





عمرو بن معدي كرب هو صاحب السيف المسمى (الصمصامة)، سيفه الذي أذاق الأعادي الموت، وهو القائل في شعره:

كَمْ مِن أَخٍ لِيَ صالِحٍ وَسَّدْتُهُ بِيَدَيَّ لَحْدا
ما إِنْ جَزِعْتُ ولا هَلِعْتُ ولا يَرُدُّ بُكايَ زَنْدا
أَلْبَسْتُهُ أَثْوابَهُ وخُلِقْتُ، يومَ خُلِقْتُ، جَلْدا
أُغْنِي غَناء الذَّاهِبينَ، أُعَدُّ لِلأَعْداءِ عَدّا
ذَهَبَ الذينَ أُحِبُّهُمْ وبَقِيتُ مَثْلَ السَّيْفِ فَرْدا

أليس هذا لسان حال أبطال اليوم في بابا عمرو؟
أليس أحدهم يكفن أخاه ويضعه في لحده، ثم يمضي ليقف مكانه مدافعاً عن كرامتنا؟
واقفين هم، كل منهم كالسيف ممشوقاً في وجه الظلم والطغيان، لا يجزعون ولا يبكون، بل يحتسبون ويصبرون.

يا أهل بابا عمرو: ذهبتم بالمكارم كلها، وتركتم لنا ذل الخذلان والتقاعس عن النصرة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق