الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011

قلة التوفيق

فور انتهاء مؤتمر بليد المعلك كتبت على تويتر: هذا النظام سلط الله عليه نفسه، كلما تكلم أحدهم زاد فضائحهم أكثر.
وتذكرت اليوم، بعد أن فضحت الفضائيات مصدر أفلام العصابات المسلحة، مقالة كتبتها قبل أكثر من خمس سنوات عن قلة التوفيق التي يتمتع بها نظام الكذب في دمشق، أضعها اليوم هنا للتدليل على أن صفة عدم التوفيق صفة مستمرة من البنية الأساسية للنظام:

تقول جدتي حفظها الله: قلة التوفيق ما لها دواء.
تذكرت هذه الحكمة وأنا أقرأ التصريحات (البريئة) التي أدلى بها العميد رستم غزالة لصحيفة الرأي العام الكويتية.
بعيداً عن الأجواء المسرحية التي حفلت بها المقابلة، مثل: (يتوقف رستم غزالة بين حين وآخر عن الكلام، ثم يقول: "يشهد الله أني بريء، وكل ما نطلبه هو أن تكون المحكمة عادلة وأن يكون القضاء الدولي نزيهاً وأن تكون اللجنة مستقلة، ونحن واثقون أن سورية لا علاقة لها بالأمر، وأما إذا أرادت السياسة الدولية غير ذلك فهذا أمر آخر".)
وبعيداً عن استهجان سيادة العميد وتساؤله – وهو المسؤول عن الاستخبارات العسكرية في لبنان، والذي يفترض به أن يعرف تحركات كل القوى المعادية لقضيته القومية - عمن سجل اتصالاته مع كبار السياسيين اللبنانيين، والتي كان عبرها يدير شؤون (القطر الشقيق) لدرجة أنه يمون على الرئيس لحود بإيقاف الحملات المتبادلة مع الشهيد الحريري، كما أشار في لقائه: (سيبادر اذا "للاتصال بلحود لاقرار هذه الهدنة خصوصاً بعدما كان قد طفح الكيل".)
بعيداً عن هذه التفاصيل (الصغيرة)، كان أكثر ما لفت انتباهي هو حديث العميد غزالة عن لقائه بوليد جنبلاط عشية التمديد للرئيس لحود، هذا اللقاء الذي انتهى بإلغاء موعد جنبلاط مع الرئيس السوري، بعدما تبين لغزالة أن جنبلاط ينوي أن يسمع الرئيس السوري كلمة (لا) التي لم يسمعها طول حياته، يقول غزالة عن لقائه بجنبلاط: (حينها شرحت له أسباب حرصنا على التمديد، بدءاً بمشروع الهيمنة على المنطقة وصولاً الى الخطر الأميركي الاسرائيلي، فبادرني باتهامنا بأننا نعمل مع أميركا وننسق أمر التمديد معها، فقلت له: يا ريت، ورجوته أن يتفهم موقفنا، لا بل عرضت عليه أن يبقى هو ونوابه معارضين شرط أن يقول انه يترك لهم حرية الاختيار فرفض، ثم قلت له ان الشروط التي كان أرسلها لنا عبر وئام وهاب (وزير في حكومة عمر كرامي الأخيرة) نقبلها، وهي تعيين 2000 دركي، والحصول على 300 مليون دولار لصندوق المهجرين، ووزير للداخلية، فكرر رفضه).
العميد رستم غزالة يتحدث بأسى بالغ، ويشكو للصحفي – اللبناني للمفارقة المضحكة – كيف أن وليد بيك ناكر للجميل، وشخص لا ينفع معه المعروف!!
ما الذي يريده وليد بيك أكثر من تحقيق مطالبه؟ أليس الجميع يبحثون عن مصالحهم؟
ضابط برتبة (عميد) من دولة شقيقة، يفترض أن مهمته المساعدة في حفظ الأمن وإحباط محاولات العدو الصهيوني للتسلل من البلد الشقيق، هذا الضابط يعرض رشوة سياسية ومالية على أحد الزعماء السياسيين ليقبل بإجراء تعديل دستوري (أصبح الأمر سهلاً بعد أن جربناه في سورية ليصبح لدينا دستور قص ولزق كما لدينا ورق قص ولزق) ليبقى الرئيس مكانه رغم أنف الدستور، لا لشيء سوى لأن الرئيس الآخر – الرئيس الفعلي لكلا البلدين – لا يقبل أن تنكسر كلمته، ولا أن يقال له (لا)، ولو اضطر لتكسير لبنان على رؤوس أهله.
يمكننا طبعاً أن نتخيل مدى خيبة الأمل التي أحس بها العميد رستم غزالة لسماع (لا) من وليد جنبلاط. لقد بذل له كل شيء، تعيين 2000 دركي ممن لا تنطبق عليهم شروط التعيين (وإلا لما احتاج وليد بيك لمثل هذه الخدمة)، والحصول على 300 مليون دولار لصندوق المهجرين – الذي يشرف عليه وليد بيك – مما يعني أنه يستطيع اللعب بميزانية الدولة، وأخيراً، تعيين وزير داخلية يرضى عنه وليد بيك.
طبعاً لم يتحدث سيادة العميد عن الثمن الذي كان عليه أن يدفعه لترضية أطراف أخرى لتقبل بهذا الحل لو وافق عليه وليد جنبلاط. أما وأنه لم يوافق، فلا داعي إذاً لزيارة دمشق، فدمشق لم تسمع إلا (نعم) منذ أربعين عاماً، بعض هذه الـ (نعم) تكتب بالدماء.

نعود إلى جدتي.. ما الذي ذكرني بحكمتها؟
في ما يصر السياسيون السوريون على أنهم لم يكونوا يتدخلون في الشؤون الداخلية اللبنانية، وأنهم اكتفوا بدور الوسيط بين الأطراف اللبنانية لمنع الاقتتال الأهلي (الذي يراهنون عليه الآن)، لدرجة أن وزير الخارجية السابق (الذي كان أداؤه مميزاً في إدارة الأزمة مع لبنان لدرجة ترقيته لمنصب نائب الرئيس) رد على وساطة وزير الخارجية الأسباني بأن التمديد للحود (شأن لبناني داخلي) حسب رواية عبد الحليم خدام.
وسط هذا الإصرار، يخرج علينا المتهم الأول في اغتيال الشهيد رفيق الحريري مقسماً الأيمان المغلظة بأنه بريء، ومتحدثاً في الوقت ذاته – بكل براءة – كيف كان يحاول رشوة السياسيين اللبنانيين للقبول بالتمديد عبر استخدام صلاحياته في تسيير أمور من صميم سيادة الدولة اللبنانية (الأمن والمال)، ضارباً عرض الحائط بكل تصريحات رؤسائه السابقة عن عدم التدخل.
قلة توفيق .. أليس كذلك؟
في الأيام الأخيرة، أعتقد أن الشيء الوحيد الذي كان سيادة العميد غزالة موفقاً هو عدم التواجد في مكتبه في لحظة معينة، وفقاً للخبر الذي سمعناه مؤخراً من دمشق عن أن العميد غزالة حاول الانتحار، لكنهم لم يجدوه في مكتبه!


رابط المقال على شفاف الشرق الأوسط

فضيحة النظام وأزلامه على يد المعلك

ضجت الدنيا مساء أمس بعد الفيديو الذي عرضه المعلم بفضح التزييف على أعلى مستويات السلطة السورية، وأكد الجميع على سقوط أي مصداقية للنظام لدى المنحبكجية الداخليين والخارجيين بعد أن أثبت عجزه عن إثبات وجود العصابات المسلحة فلجأ إلى انتحال أفلام مصورة قبل سنوات في لبنان ليقول أنها تحدث في سوريا.

بالنسبة لي لم يكن الأمر مفاجأة فكذب النظام أمر مفروغ منها، كما أن سوء إدارة الدولة في عهد البعث ينسحب على جميع نواحي الحياة وأجهزة الأمن باختلافها ليست استثناء، مما يجعلها تخضع للمحسوبية والرشوة في التعيينات والتدريب لا الكفاءة والحاجة لحماية الأمن فعلاً، لذلك رأيناهم يفشلون في أداء مهمات القمع، تماماً كما فشلوا في فبركة تورط الجهات الأجنبية المزعومة في التحريض على الثورة في سورية، وأخرجوا النكتة الشهيرة المعلروفة بحبوب الهلوسة من ماركة الجزيرة.

لكن المفرح في هذه الفضيحة هو التأكيد على تبعية موقع الحقيقة الذي أسسه نزار نيوف للمخابرات السورية، رغم ما يدعيه من هجوم على النظام السوري، ورغم أنه في الفترة الأخيرة بدأ ينفضح بشكل كبير بسبب ضيق الخناق على النظام واضطراره إلى اختلاق القصص التي تدافع عنه باستماتة، إلا أن حكاية العصابات الإرهابية جاءت وبالاً على الموقع التعيس، فهو نشر منذ حوالي ستة أشهر نفس الفيديو المصور في لبنان، وكتب مقدمة مطولة أكد فيها أنه استعان بخبير من مديرية الآثار في طرطوس وأنه أكد لهم أن المنطقة المصور فيها الفيديو معروفة لديه وأنها بجوار قلعة المرقب، وأكد الموقع الذي ليس له من اسمه أدنى نصيب أن اشتباكات عنيفة تمت هناك بين الجماعات الإسلامية المسلحة وقوى الأمن بدليل صوت الرصاص الظاهر في الفيلم.
لم أهضم فكرة المزاح الذي يدور بين أفراد المجموعة المسلحة بينما إخوتهم يقاتلون بجانبهم، كما لم أستوعب أن يتم تصوير أحد السلفيين المسلحين وهو يدخن، لكنني لم أملك وقتها أي معلومات موثوقة أو خبرة فنية كافية لفضح الموضوع فانتظرت مؤملاً أن ينكشف يوماً ما.
حسناً، أتى اليوم سريعاً ولله الحمد، وبشكل أهم من فضح موقع الحقيقة فقط، وقد استطعت الوصول إلى التقرير على موقع الحقيقة، لكن الفيديو الذي وضعوه ضمن رابط تمت إزالته من موقع يوتيوب بواسطة المستخدم كما يقول الموقع.
 
هنا تقرير أخبار المستقبل عن حادثة التزوير:



وهذا الرابط لصفحة الحقيقة التي نشروا عليها تقريرهم الخطير: اضغط هنا

وهذه صورة من الموقع في حال قرروا إزالة التقرير لأي سبب:






الاثنين، 28 نوفمبر 2011

بليد المعلك .. كاريكاتير متحرك

في مؤتمره الصحفي اليوم، بدا وليد المعلم أكثر تفاهة ومللاً أكثر من قبل، أي تفوق على نفسه.
كان يحرك رأسه فتترجرج خدوده المكتظة بما يطفحه من قوت الشعب ..
بدا تافهاً جداً وهو يهدد دول الخليج بمنع تصدير الأغنام التي تعودوا على أكلها !
بدا ضعيفاً ومتهالكاً وهو ينكر وجود الدبابات في شوارع سوريا

باختصار: بدا مهترئاً مثل النظام الذي يمثله.

رَجْرِجْ خدِّيْكَ كما شئتَ ** وانعقْ، فالباطلُ ما قلتَ
هـدِّدْ أوروبــا بــدمــــارٍ ** وامسحْها ، فالراسمُ أنتَ
واشتمْ إخوتَنا من يعربَ ** فعروبةَ أجدادكَ خُنْتَ
هدِّدْهمْ تأكــــلُ أغنـامــاً ** صحِبَتْكَ زماناً .. فسَمِنْتَ
لا عجباً تأكلُ أصحابَكَ ** ذا دَيْدَنُ حزبكَ مُذْ كُنْتَ

جوجل سوريا

اليوم ينتخب المصريون برلمانهم الأول بعد الثورة، جاملهم عمنا جوجل ووضع لهم الصورة التالية على صفحة جوجل مصر



بعد نجاح ثورتنا إن شاء الله، سيكون لدينا جوجل سوريا، ونتوقع أن نرى صورة شبيهة بهذه، بدلاً من النتيجة الطريفة التي نحصل عليها الآن عندما نبحث عن جوجل سوريا



أشخاص خلف الأخبار

المناضلة الرائعة رزان زيتونة تكتب عن "ياسمين" .. المنسقة التي تنقل أخبار الثورة السورية إلى الإعلام
لم أستطع حبس دموعي وأنا أقرأها، ولا أظنكم تستطيعون

يعاني أصدقاء ياسمين في المكتب الاعلامي للجان التنسيقية المحلية، في حالات ثلاث: حين تضطر للغياب عن العمل، وحين تسمع نبأ اعتقال أحد النشطاء الذين كانت على تواصل معهم، وحين اضطرارهم “لترجمة” بعض مفرداتهم العامية التي تستعصي عليها.
في الحالة الأولى:
لأنها روح المكتب وابتسامته كما يصفها أصدقاؤها. منذ ما بعد بداية الثورة بقليل اعتادت ياسمين على التواصل مع شباب وشابات الثورة وعائلات المعتقلين والشهداء، فضلا عن مختلف وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمقروءة، العربية والغربية.
“كانت البدايات صعبة للغاية، حين كان تمرير خبر للإعلام عن مظاهرة أو نشاط احتجاجي يكاد يكون بصعوبة تنفيذ النشاط نفسه. كنا، زملائي في الفريق وأنا، نعمل كخلية نحل من أجل الحصول على المعلومات ومقاطعتها وتدقيقها ثم إرسالها إلى وسائل الإعلام التي كانت لاتزال متشككة في الكثير من الأنباء أحيانا أو غير مبالية أحيانا أخرى”.
رغم أن الفريق يضم نشطاء ليس لمعظمهم خبرة صحفية سابقة، إلا أنه حاز مع الوقت على المصداقية الأكبر لدى وسائل الإعلام المختلفة.
“كنا نصحح أخطاء بعض ونراقب أداء بعض، وأمامنا هدفين متلازمين، دقة المعلومة قدر المستطاع في ظل ظروف عملنا، وأن نراها من ثم على شريط الأنباء أو كخبر عاجل على الفضائيات.. سعادة شباب الثورة وسعادتنا كانت لاتوصف حين يعرض فيديو قاموا بتصويره أو يأتي خبر مظاهرة نظموها”.
مصاعب البدايات لم تقتصر على التعامل مع وسائل الإعلام، بل بالدرجة الأولى ربما في التواصل مع النشطاء الميدانيين صانعو الخبر وناقلوه.
“في البدايات، كان البعض يغلق السماعة في وجهي، آخرون يتكلمون بأدق التفاصيل لدرجة تشعرني بالرعب عليهم حتى أتمنى أن أغلق الخط وأنهي المكالمة، مع الوقت أصبح الأمر أكثر من عملية نقل حيادي للأخبار..أصبحت أعيش في قلب الثورة من خلال أصواتهم..وهو مالا تستطيع صياغة خبر أو أية كلمات في العالم نقله.. في إحدى المرات اتصلت بشاب من داعل وكان وسط المظاهرة، وقال لي ياسمين اسمعي الهتافات: حرية حرية، سلمية سلمية، وبدأ بالبكاء..وبدأت بالبكاء معه..”.
تقول ياسمين أنها “شهدت” عبر الهاتف..اقتحامات المدن والقرى، أجمل المظاهرات، لحظات فرح شباب الثورة وغضبهم… أول هتافاتهم وآخر نكاتهم..
في الحالة الثانية:
لأن ياسمين وفريقها ليسوا من الصحفيين “المحايدين”، بل هم على انحياز كامل للثورة وأهلها..ومع الوقت يتشكل عالم موازِ قوامه حكايا النشطاء وعائلاتهم وتفاصيلهم الصغيرة التي لا مكان لها في نشرات الأخبار، لكنها تعلمنا أن نتلصص على دقات قلب الثورة ونضبط دقات قلوبنا على إيقاعها.
“الأستاذ عمر من حماه، في العقد الثامن من عمره، كان يخبرني في كل مكالمة أنه يحلم بهذه اللحظات منذ أربعين عاما. وعندما دخلت الدبابات إلى المدينة قال لي: ياسمين، أنا لن أحزن إذا قتلت إلا لأنني لن أكون قادرا على الاحتفال معكم في ساحة العاصي العظيمة..لا أعرف مصيره منذ الاقتحام، هل هو معتقل أو متواري أو استشهد..”.
“عندما أضطر للحديث مع طفل تعرض للاعتقال، كنت أستمر بالبكاء بصمت طيلة المكالمة، أحس بكل ما يصف من عنف مورس عليه على جسدي ركلا أو صفعا..وبالقهر في صوته الضعيف وارتباكه في فهم ماتعرض له.
لكن لا يوجد أقسى من الحديث مع الأمهات..وجميعهن يكررن السؤال نفسه، إن كان سيطول غياب أولادهن، وكأنني لمجرد قدرتي على نشر الخبر أملك القدرة على تعديله وتقرير موعد الإفراج عن الابن الغائب..
أتذكر إحدى الأمهات من بانياس، اعتقل أربعة من أبنائها، قالت لي وهي تبكي: يا أمي فدا الوطن..لكن الصغير مريض ويحتاج إلى دواء، فقط أوصلوا له الدواء ولا أريد شيئا من هذه الدنيا.. قريبة الشاب طلبت مني أن أقول نعم، وبالفعل وعدت الأم كذبا بإيصال الدواء..بعد فترة اتصلت بي الأم تسألني إن كان الدواء قد نفذ لترسل غيره..يا إلهي..”.
“عند اقتحام جسر الشغور كنت أتحدث مع ناشط قتلت أخته وأربعة من أصدقائه ، وكان وقتها مختبئا في حمام منزلهم، يراقب من نافذته الصغيرة المدينة التي لم يبق فيها إلا رائحة الدم والخراب. وفجأة بدأ يحدثني عن الصبية التي يحبها، وكيف كان يسرق اللحظات كي يلتقيها أو يتصل بها، وكيف أن الشيء الوحيد الذي يتمناه قبل أن يموت هو أن يراها، ثم بدأ يضحك، ثم أخذ يبكي، وقتها سألني سؤالا لم أعرف إجابة له غير الإجهاش بالبكاء.. : آنسة ياسمين، هل تعتقدين أنها لا تزال على قيد الحياة؟”.
ليس من السهل تحقيق التوازن دائما بين الجانب الانساني وإلحاح طلب المعلومة خاصة في أوقات الأزمات والاقتحامات والحصار…وسقوط الشهداء. مع لهفة النشطاء الدائمة لتوصيل الأخبار بالسرعة الممكنة، إلا أنه في لحظات معينة تنقلب هذه المهمة عبئا يترجم نفسه بشيء من الغضب أو الانفعال، كما تصف ياسمين.
“كنت أسأل أحد النشطاء عن أسماء الشهداء في جبل الزاوية منذ أيام..وفجأة قال لي من دون مقدمات، بأن الشهداء بالنسبة لي هم مجرد أرقام..وأنني لا أهتم بهم إلا كخبر صحفي.. وأنهى المكالمة، قبل أن أخبره أنني أتألم بالفعل لكل شهيد، وأتخيل كل تفصيل في حياته، كيف يفتقده عزيز ما، ويتألم لكرسيه الفارغ على مائدة العشاء، كيف يفتقده طفله أو تبكيه والدته.
في مرة أخرى كنت أتحدث مع شخص من القامشلي حول مظاهرات ذلك اليوم، وفجأة بدأ يحدثني بعصبية بدون مبرر..ثم صمت قليلا قبل أن يخبرني أنه لم يلتق عائلته منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وأن لديه ابنة ربما تكون في مثل عمري وهو مشتاق لها كثيرا..”

الثورة ليست كلها ألم ودموع، تقول ياسمين، هي في الأصل فرح خالص بفعل تحررنا اليومي، وتصف كيف أنها لا تتوقف عن الاندهاش حول كيف يخلق السوريون لحظات المرح والسخرية والنكتة من ركام المعاناة اليومية.
“أحيانا أتحجج بنقص المعلومات للاتصال بهم كي أجد لنفسي شيئا من السكينة وسط أمواج الأخبار المتلاحقة عن الحصار والقصف والشهداء.. مثلا فادي من حمص يجعلني أضحك بلا توقف، كلما اتصلت به يسألني لماذا تأخرت بالاتصال، ويبدأ بالصراخ علي مؤنبا حتى أشعر أنني في دوام رسمي أمام رئيسي في العمل، وصوت ضحكته يعلو دائما على صوت الرصاص الذي أسمعه من حوله عبر الهاتف..
أحيانا تكون الضحكة وليدة موقف محرج، لكنه على الأقل يذكرنا بأننا أشخاص طبيعيون ولدينا حياتنا الخاصة التي تقريبا نسيناها.. اتصلت مرة بناشط من ادلب، فردت علي زوجته وبدأت باستجوابي، من أنا ولماذا أريد التحدث مع زوجها..الخ ثم قالت لي أنه يستحم وسيتصل بي عندما يجد وقتا لذلك! قبل أن تغلق السماعة في وجهي”.
في الحالة الثالثة:
لأن ياسمين حالها كحال آلاف السوريين يعيشون في المغترب أو المنفى منذ فترة طويلة، ويرغبون بالمساهمة في الثورة بما استطاعوا إليه سبيلا. وهي من موقعها كمنسقة المكتب الإعلامي، تتدفق بالحكايات حتى تكاد لا تنتهي، وأضطر لحذف معظمها كوني أعجز عن نقل ماتنطوي عليه من عمق وبساطة في الوقت نفسه بالكلمات المناسبة..
“ مع الثورة، بدأت بالتعرف إلى شخص آخر داخلي، ربما ما كنت لأكتشفه لولا الثورة..الآن أنام وأصحو مع السوريين في الداخل..الثورة غاية في الألم..الألم لا يطاق..لكنها أيضا أيام لن تكرر.. أحب أنني جزء من هذا كله بالقدر الذي أستطيعه”.
“وأنا مدينة باستمراري للفريق الرائع الذي أعمل ضمنه من نشطاء في الداخل والخارج، كلما أحس واحدنا بالتعب يتولى الآخرون مهمة غسل التعب عن روحه..”.
لكن الثورة ستنتهي يوما، أسأل ياسمين، فتقول: “وقتها، سأرجع إلى سوريا، وأعمل من أجل سوريا الجديدة ومع أطفال الشهداء بالذات، سأحكي لهم كل القصص التي لم يتمكن آباؤهم من روايتها لهم، هذا الجيل القادم هو ياسمين البلاد الحقيقي الذي سيلقي ببياضه ستارا على عقود الدماء والقتل والقهر التي عاشها آباؤهم”.

رزان زيتونة
المصدر:
مدونة The Damascus Bureau هنا

الجمعة، 25 نوفمبر 2011

المحنة طالت يا ربي

هل تقلقنا المؤامرة علينا من العالم أجمع؟
هل أحبطنا تنكر الأشقاء لنا، وإعطاؤهم المهلة لقاتلنا كي يمعن في القتل؟
هل أصبحنا نحس أننا وحدنا في هذه المحنة دون نصير من البشر؟
لا بأس، هذه بشارة النصر إذاً :

(الذّين قالَ لهمُ الناسُ إن الناسَ قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعمَ الوكيل * فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ لم يمسسْهم سوءٌ واتبعوا رضوان الله واللهُ ذو فضل عظيم * إنما ذلكمُ الشيطانُ يخوفُ أولياءه فلا تخافوهمْ وخافونِ إن كنتم مؤمنين)
هل بدأنا نحس باليأس لطول فترة المحنة وكثرة الشهداء وقلة الناصرين؟

حسناً، ربنا سبحانه وتعالى أعطانا درساً لعلمه أننا نحتاجه، أخبرنا أن من هو خير منا لاقى شتى صنوف البلاء في مواجهة من هو شر من المجرم الذي يفتك ببلدنا، ثم .. ما كانت النتيجة؟
(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين)

هل نشفق على أهلنا المحاصرين في مدن سوريا المنتفضة وهم يعانون البرد والجوع والخوف والحصار؟ هل بدأنا نتساءل: أيأتي النصر حقاً؟ أم يستمر الطاغية في حكمنا كما استمر أبوه المجرم من قبله؟
الحق جل شأنه أجابنا على هذا السؤال قبل قرون:
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ وَالضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)

ألا إن نصر الله قريب

السبت، 19 نوفمبر 2011

سيدي خالد

في وثائقي بثته قناة العربية، رأيت خلال أقل من خمس دقائق ثلاثة ضيوف من حمص (رجل كبير وامرأة وشاب) لا تظهر شخصياتهم بل أصواتهم، وفي الحوار مع الثلاثة خلال الدقائق الخمس تكرر اسم "سيدي خالد" - بكسر السين وعدم تشديد الياء كما ينطقها أهل حمص بلهجتهم المحببة- أكثر من سبع مرات.
حضور سيدنا خالد بن الوليد في حمص لا ينكر، مجاورة أهلها لهذا البطل المغوار جعلتهم كلهم - مسلمين ومسيحيين - أبطالاً.
هنيئاً لحمص جوارها الكريم، وهنيئاً لسوريا وجود حمص وأهلها فيها.

سِيدي خالدْ
حين الدنيا تُمطرُ قصفاً
أرفعُ رأسي
أسمع صوتكْ:
(لا نامت عين الجبناءْ)
حين الباغي
يرسل جيشَهْ
كي يقتربوا من مسجدكَ
أُبصِرُ جحفلهم مهزوماً
لا يجترئُ على مرقدكَ
(لا نامت عين الجبناءْ)
سيدي خالدْ
يا مدرسةً
في نصرة حق الضعفاءْ
يا من علّمنا أن نطلبَ
موتاً
كي يخشانا
رسلُ الموتِ
أن نمضي في درب الحقِّ
أن نكسرَ جدرانَ الصمتِ
أن نعلنَ أنّا لن نركعَ
إلا حين الباري يشاءْ
سيدي خالدْ
ذي بركاتك عمَّتْ حمصاً
(لا نامت عين الجبناءْ)

الجمعة، 18 نوفمبر 2011

كيف ستهزموننا؟

أطفالنا، صبياناً وبنات يهتفون صباح مساء:
الشعب يريد إعدام الرئيس
فمن يغلب هذا الشعب؟
كيف تستطيعون إطفاء جذوة الثورة، وهي تشتعل ممتدة إلى أصغر أبناء الشعب الحر؟
كم تقتلون منا؟ عشرة آلاف؟ عشرين ألفاً؟ مائة ألف؟
وماذا بعد؟؟
ليس بعدها إلا ما يطالب به الشعب:
إعدام الرئيس



الشهيد محمد خالد برهان

نقلاً عن صفحة ياسين الحاج صالح على الفيس بوك:
ما حدث البارحة ليلاً في الزبداني يصعب أن تراه إلا في الأفلام الملحمية
الشهيد محمد خالد برهان
خرج من المعتقل بعد قضاءه ثلاثين يوماً ...رآه أحدهم يبكي في السجن سأله ما بك ؟
قال له لم يتركوا طريقة بالتعذيب لم يجربوها في .ولا تهمة إلا وألصقوها بي ..
عندما أفرج عنه أصبح يعض على أصابعه ويقول بالباص أشتاق لأولادي واتصل بزوجته وطلب منها إيقاظ الأطفال ...فرحوا جداً وخرجوا لاستقبال والدهم ..وعند وصوله ضربوا... له الألعاب النارية فتلقاهم الأمن بوابل من الرصاص ..رصاصة واحدة أخترقت جسده ونفذت إلى جسد عديله الذي كان يعانقة بحرارة ليخر الإثنان على الأرض ..ولم يصل بعد لفلذات كبده ..انقلب الفرح لعزاء ..
الآن تجلس الأختان تبكيان ..
واحدة تبكي فراق زوجها والأخرى تتمنى أن يخرج زوجها من العناية المشددة ...
الزبداني كلها بكته ..حتى السماء بكت بغزارة ...أغلقت جميع المحلات أبوابها ..والدنيا كلها حداد..
كل هذا حدث برصاصة واحدة دفعنا ثمنها

أوراق قديمة

كتبتها قبل خمسة وعشرين عاماً، كنت آنذاك محروماً من زيارة سوريا كغيري من أبناء المهجرين قسراً عنها، ولم يدر في خلدي وقتها، ولا حتى قبل تسعة أشهر، أن هناك أبطالاً من شعبنا سيجعلون موعد رجوع المنفيين قريباً

و أهرب من زحام الوقت
في أحضان محفظة
تضم   دفاتري الأولى
أقلب  ، أقرأ الكلمات
أضحك من سذاجتها
 ( أنا أهواك يا أمي)
(مساء الخير يا أبت)
و .. (عفوا  سيدي الشرطي)
و أطرب إذ أرى سطرا
فريدا  بين إخوته
يعيد لقلبي الملهوف   شيئا  من براءته
( أحن إليك يا وطني)
أحن إليك يا وطني
و ماذا تنفع الكلمات حين الشوق يضنيها ؟
و ماذا تطفئ العبرات إن شب الهوى فيها ؟
 ( أحن إليك يا وطني )
و أبحر في دجى الأحلام أسرح في نواحيها
أفتش عن جزيرتنا و حب تائه فيها
جزيرة أمسنا المأسور بين الجرح و الجرح
جزيرة نبعنا المفقود في بحر من الملح
و أشرع أقتفي آثار من ساروا على الدرب
فكانوا خير نبراس  على درب الهوى الصعب
و أبكي موطنا  ماتوا  فداء إبائه العذب
و أرجع سائلا  نفسي
ترى أقضي كما قبلي
قضوا في هذه الغربة
ترى في أي مقبرة
سيثوي في غد  رمسي
و تبقى تلكم  الكلمات زينة دفتري البالي
أحن إليك يا وطني
أحن إليك يا غالي

الأحد، 13 نوفمبر 2011

قرار الجامعة العربية .. الحركة التصحيحية الحقيقية

كنت أتابع المؤتمر الصحفي لرئيس المجلس الوزاري والأمين العام للجامعة العربية دون كبير اهتمام بسبب ما تسرب من أنباء عن الاكتفاء بمنع الوفود السورية من المشاركة في اجتماعات الجامعة، لكن مع استكمال الشيخ حمد بن جاسم لقراءة البيان الختامي بدأ الاهتمام يتزايد، وانطلق الزملاء المحيطين بي يهللون – مستغربين – لموقف الجامعة الذي جاء حاسماً هذه المرة.
كان أول التساؤلات: لماذا تأجيل تعليق العضوية حتى 16/11 وليس من تاريخ الاجتماع؟ هل يستطيع النظام الذي ماطل شهوراً طويلة أن يلتزم بقرارات الجامعة خلال أربعة أيام؟
بالطبع كان التفسير مقنعاً بوجود اجتماع آخر في الرباط سيضم إضافة إلى الوزراء العرب وزير خارجية تركيا، وهو أمر له دلالته المهمة، لكن صديقاً لماحاً نبهني إلى توافق التاريخ مع ما يسمى الحركة التصحيحية التي انقلب بها الأسد الأب على رفاقه البعثيين وسجنهم ليتسنى له الاستفراد بحكم سورية ثلاثين عاماً.
هذا التوافق اللطيف يدعو إلى اعتبار قرار الجامعة العربية حركة تصحيحية حقيقية، تصحح مسار الجامعة التي يئست الشعوب العربية من إمكانية لعبها دوراً مهماً وحقيقياً في حياة العرب، وتساهم في تصحيح الوضع السياسي السوري عبر محاصرة نظام مجرم قام على جماجم السوريين وارتوى بدمائهم.
المفاجئ، والأكثر أهمية في القرار، لم يكن تعليق العضوية أو الدعوة إلى سحب السفراء، مع اعتبار ذلك قراراً سيادياً يخص كل دولة على حدة، بل مجموعة النقاط الأخرى التي شكلت في مجملها تحركاً عربياً فاعلاً للمرة الأولى في تاريخ الجامعة.

توفير الحماية للمدنيين
كلنا نذكر جمعة (الحماية الدولية) التي دعا المتظاهرون السوريون خلالها إلى توفير الحماية للشعب الذي يقتل يومياً على أيدي عصابات الأسد، ودعوة الجامعة إلى استخدام "المنظمات العربية المعنية" كمرحلة أولى، ثم اللجوء إلى "المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بما فيها الأمم المتحدة" هي أفضل ما يمكن اتخاذه حالياً لحماية المدنيين، علماً بأن لجوء الجامعة العربية إلى المنظمات الدولية والأمم المتحدة يمكن أن تشمل دعوة الأمم المتحدة للتدخل حسب الفصل الثامن المتعلق بحفظ السلم والتعامل مع أعمال القمع، وهي إشارة واضحة إلى النظام السوري بإمكانية التدويل في أي لحظة، ودلالتها المهمة تأتي من ترتيبها الثاني في سياق قرار الجامعة.

مخاطبة الجيش السوري
رغم كل ما يقال عن البنية الطائفية للجيش السوري والمتمثلة في حصر القيادات العليا للجيش في أيدي ضباط من طائفة الرئيس، يبقى المكون الرئيسي للجيش من أبناء السوريين الذين يتوقع منهم أن يتوقفوا عن أعمال القمع متى وجدوا مؤشراً على توفير الحماية اللازمة لهم، وتوجيه الخطاب المباشر إلى الجيش العربي السوري لعدم التورط في أعمال العنف ضد المدنيين أوصلت الرسالة اللازمة إلى الأغلبية من أبناء هذا الجيش، كما أنها ستساهم في انشقاق الضباط من الطائفة العلوية الذين يدركون تماماً أن الثورة قامت ضد الظلم وليس ضد الطائفة، وما استمرارهم في دعم النظام إلا لحماية مصالحهم الخاصة وليس ولاء للأسد الذي استغل طائفته – كما استغل غيرها – لنهب سوريا وشعبها دون تمييز.
أهمية هذا الخطاب تكمن في إرسال إشارة واضحة إلى الضباط الفاعلين في الجيش لتغيير موقفهم وعدم الرهان على حصان خاسر، وهو ما التقطه سفير النظام لدى مصر والجامعة العربية الذي سخر في مؤتمره الصحفي من إمكانية حدوث انشقاقات في الجيش.

الاتفاق على المرحلة الانتقالية
النقطة السادسة في القرار هي أهم نقطة فيه لما يخص الثورة السورية، فهي تطلب الاجتماع مع المعارضة لا للحوار أو التفاوض، ولكن "للاتفاق على رؤية موحدة للمرحلة الانتقالية المقبلة في سورية" مما يعني أن النظام الرسمي العربي يعتبر حكم الأسد ساقطاً من الآن، ويقر بدور المعارضة في الترتيب للمرحلة الانتقالية، وهو ما أكدته نفس النقطة في الإشارة إلى الاعتراف بالمعارضة السورية، وزاد توضيحه في النقطة السابعة بدعوة المعارضة إلى الاجتماع مع المجلس الوزاري لتمثيل الشعب السوري.

تخبط النظام
ردة فعل النظام التي عبر عنها سفيره بالشتائم والسباب والمؤتمر الصحفي الهستيري، إضافة إلى مهاجمة السفارات والقنصليات عبر شبيحة النظام ومجرميه تدل على مدى الصدمة التي تعرض لها بصدور القرار، وإدراكه أنه وصل لمرحلة النهاية بعد أن استنفذ كل الألاعيب الممكنة طوال ثمانية أشهر من عمر الثورة، وهو ما يجعله الآن في أقصى درجات الخطر على المدنيين العزل، خصوصاً في المدن الأكثر التهاباً مثل حمص، مما يستدعي سرعة العمل خطط حماية المدنيين وعدم الاكتفاء بالقرار "التاريخي" الذي صدر أمس، دون إغفال وجود مجموعة من الأوراق التي يمكن أن يستغلها النظام لإثارة الفوضى في المنطقة، وعلى رأسها ورقة حزب الله.

ما المطلوب الآن؟
على المعارضة السورية أن تسارع بالانضمام إلى المجلس الوطني وتناسي الخلافات التي تميز بينها، وتأجيلها لتحسم في صناديق الاقتراع على الأرض، وعلى المجلس الوطني أن يقدم خطة واضحة للمرحلة الانتقالية في سوريا تركز على حماية حقوق كل الطوائف والإثنيات دون تفريق أو تمييز، وتتناول بوضوح مسائل العدالة الانتقالية والتعامل مع مؤيدي النظام الحالي في المرحلة اللاحقة بما يهدئ المخاوف المتداولة حالياً من اندلاع حرب أهلية بعد سقوط النظام.

الثلاثاء، 1 نوفمبر 2011

أمام الموت

أقف عاجزاً أمام من يفقد عزيزاً.
لا أعرف كيف أعزيه .. تهرب الكلمات مني مهما حاولت الاستعداد للموقف.
ليس الأمر متعلقاً بالشهداء، هؤلاء لا نعزي بهم، بل نهنئ أهلهم ونعزي أنفسنا أن فقدنا النقاء الذي كان في حياتنا.
أتحدث عن الوفاة، عن الفقد الذي يرحل بعزيز تعودنا وجوده، لذلك كنت دائماً أتهرب من مجالس العزاء، وإن حضرتها كنت سريع المغادرة، وجودي فيها لا معنى له سوى إشغال كرسي آخر، لا أعرف ماذا أقول، فألوذ بصمت مزعج.
الآن اختلف الأمر.. كان علي أن أحضر العزاء، أن أجلس حتى أكون آخر المنصرفين لعلي أن أخفف عن أهل الراحل.. فأزيد من شعوري بالضعف والحيرة.
أتحدث عن نظرة الانكسار والحيرة في عيني صديقي الذي جاوز الأربعين، نظرة لا أستطيع وصفها مهما حاولت .. مع أنني أعرفه أفضل مما أعرف نفسي ، كان يكفي أن أنظر في عينيه لأدرك ما يعانيه، كان يكفي أن أسمع "صباح الخير" منه لأعرف بأي مزاج هو، وما الذي يكدره إن كان متكدراً، لكنه عند فقد والده –والدنا- صار غريباً حتى عن نفسه.
أدرك شعور اليتم عند الصغار، مررت بالتجربة مع أبناء قريب لي، ورأيت نظرات الحيرة واليتم في أعين أولاده، كانت تحرقني وأنا ألاعبهم وأضاحكهم، وأكتم عبرتي لتنساب بعد أن أتركهم، لكنني لم أتخيل قط أن الإحساس باليتم سيكون أكبر عند الكبار.
وقفت أمامه عاجزاً عن الحديث، لا أجد الكلمات التي أعزيه، أو أعزي نفسي بها، حاولت كثيراً مشاغلته، كان يجيب على كل شيء، لكنه لم يكن معنا، وإذا التقت عيوننا فجأة لمحت فيها الشعور الرهيب بالحيرة والوحدة، مع أن الفقد لم يكن مفاجئاً بل متوقعاً، فالراحل الكبير (قدراً وعمراً) كان مريضاً لفترة طويلة، واشتد مرضه أخيراً، لكن صاحبي كان يعلل نفسه بأنها أزمة وتمر كما مر غيرها، وعندما رحل الوالد وقف هو حائراً يسائل نفسه: ماذا أفعل بعدك يا أبي؟
يلومه من يلوم لأنه مستغرق في حزنه، أما أنا فلا أملك إلا أن أشاركه الحيرة الرهيبة، أحاول أن أبدو متماسكاً، وألقي بعض النكات، أجمع الأصدقاء لتسليته، أحاول انتشاله من حيرته، ثم أنزوي في ركن قصي من سرادق العزاء عاجزاً، تماماً كصاحبي، حائراً مثله، أترحم على الراحل، وأرثي لحال من بقي بعده.
يموت المئات حولنا يومياً، نسمع عن فلان وفلان، نألم لألم أهلهم، ونخبرهم أن الحزن لا يجب أن يستمر، نذكرهم أن من رحل قد انتقل إلى الحياة الحقة، ونهون عليهم بشهادات من عرفوا أحباءهم بأنهم من أهل الخير والصلاح، لكن .. لا يعرف الفقد إلا من جربه، وقد جربته الآن ووقفت أمامه عاجزاً عن الكلام.
اللهم ارحمنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض.